الإشراف على الكوتشينغ: تعريفه ونماذجه وأنواعه

قد توحي كلمة "الإشراف" للوهلة الأولى بإجراءات فرض القواعد، والتحقق، وإصدار الأحكام، والمطالبة بالامتثال للوائح التنظيمية، وتقديم المكافآت والحلول، وهي إجراءات لا تمت لمصطلح الإشراف على الكوتشينغ بأيَّة صلة لا من قريب ولا من بعيد.



يقتضي الإشراف على الكوتشينغ دعم الكوتش وإرشاده وتحفيزه على التفكير في إطار علاقة أشبه ما تكون بالزمالة، ويمكن تأويل الاصطلاح بحد ذاته على أنَّه "مراجعة عامة" يقوم فيها مشرف الكوتشينغ بتزويد الكوتش بالمهارات التي يحتاج إليها لتحليل ممارساته بنفسه.

يدرك مشرف الكوتشينغ طبيعة عمله، ولكنَّه قد يتأثر بالمعنى الحرفي لكلمة "الإشراف" ويقحم نفسه في عمليات المراجعة والتحليل أكثر من اللازم.

تعريف الإشراف على الكوتشينغ:

تعرِّف هيئات الكوتشينغ الرئيسة في العالم تخصص الإشراف على الكوتشينغ كما يأتي:

  1. "الإشراف على الكوتشينغ هو عملية رسمية تتبع خطة زمنية محددة، وتهدف إلى مساعدة الكوتش على إجراء دراسة تحليلية مفصلة عن ممارساته بمساعدة مشرف على الكوتشينغ، وتشمل عمليات الإشراف تقديم منهجية عمل سرية في إطار علاقة تعاونية يجري فيها تحليل الممارسات، والمهام، والعمليات، والتحديات الخاصة بمشروع الكوتشينغ. وتهدف إجراءات الإشراف بشكل أساسي إلى تزويد الكوتش بالمؤهلات، والإمكانات، والأسس الأخلاقية، والثقة بالنفس، والقدرات الإبداعية اللازمة لضمان تقديم أفضل الخدمات الممكنة لعملاء الكوتشينغ ومتلقي الكوتشينغ والجهات التي ترعاهم. ولا يتعلق الإشراف بفرض القواعد والأنظمة؛ وإنَّما يتم عن طريق إنشاء علاقة مهنية قائمة على الثقة والزمالة" – "جمعية الكوتشينغ" (Association for Coaching).
  1. "الإشراف على الكوتشينغ هو عبارة عن إجراء تعاوني يهدف إلى تنمية مهارات وقدرات الكوتش باستمرار عن طريق الحوارات التي تحفز التفكير التحليلي وتصب في مصلحة كل من الكوتش وعملائه" – "الاتحاد الدولي للكوتشينغ" (International Coach Federation).
  2. "الإشراف على الكوتشينغ هو عبارة عن إجراء يوفر للكوتش بيئة آمنة تتيح له إمكانية التحاور مع مشرف ممارس، فيقوم المشرف بدعم الكوتش وحثه على تحليل ممارسات الكوتشينغ بغية مساعدته على تحسين جودة خدماته وعافيته" – "مجلس الكوتشينغ والمنتورينغ الأوروبي" (European Mentoring & Coaching Council).

يهدف الإشراف على الكوتشينغ إلى حث الكوتش على التفكير في ممارساته وتحليلها، فوجود المشرف ضروري لمساعدة الكوتش على التركيز، وتحليل الممارسات من وجهة نظر مختلفة، والتأكد من صحة خياراته والأساليب التي يستخدمها في مساعدة العملاء.

لا يُشترَط أن يكون المشرف أكثر خبرة من الكوتش؛ لأنَّ هذا يعني العودة إلى المعنى الحرفي لكلمة "الإشراف" الذي يقتضي إرشاد الكوتش وتصويب أخطائه، لكن قد يستفيد الكوتش من استشارة شخص أكثر خبرة منه، ولا سيما إذا كان في بداية مسيرته المهنية.

لا تشترط التعريفات المذكورة آنفاً أن يمتلك المشرف مؤهلات خاصة لمزاولة مهنة الإشراف، لكن يُنصَح أن يكون المشرف كوتشاً ممارساً، ويفضِّل بعض الكوتشز اختيار مشرفين عاملين خارج قطاع الكوتشينغ مثل العلاج النفسي من أجل الحصول على وجهات نظر متنوعة تساعدهم على تكوين فكرة شاملة عن ممارساتهم.

تنصح معظم هيئات الكوتشينغ بالخضوع لجلسات إشراف دورية، ولتكن ساعة كل شهر أو كل 15 جلسة كوتشينغ على سبيل المثال.

الإشراف في العلاج النفسي:

معظم الأبحاث المنشورة عن موضوع الإشراف على الكوتشينغ جرت ضمن قطاع العلاج النفسي؛ إذ تقدِّم بعض الدراسات منهجيات عمل فعالة لدعم الكوتشز وتنمية مهاراتهم، كما يعتقد بعضهم أنَّ قطاع الكوتشينغ يتطلب إعداد نموذج إشراف مستقل بحد ذاته.

يقوم المعالج النفسي بتشخيص الأمراض ووصف الأدوية، لهذا السبب يجب أن يخضع لبرامج التدريب والإشراف لسنوات عدة، فالمعالج النفسي مؤتمَن على الصحة النفسية للمرضى الذين يرعاهم، وهو بحاجة إلى الحصول على المؤهلات اللازمة لمزاولة عمله.

تعتمد برامج الكوتشينغ بالكامل على العميل، وهي لا تقتضي إصدار الأحكام، أو تشخيص الأمراض، أو وصف الأدوية، وهذا يعني أنَّه ليس ثمة خطورة على حياة العميل كما في حالة العلاج النفسي.

الإشراف على الكوتشينغ في مكان العمل:

ثمة نموذج يُطلَق عليه اسم "العقد الرباعي" (the four-way contract)؛ لأنَّه يوزع الالتزامات والمسؤوليات بين جميع الجهات المعنية، وهو يُستخدَم في الإشراف على الكوتشينغ، وفيما يأتي 4 نقاط يجب أخذها بالحسبان عند تطبيق النموذج:

  1. يجب توجيه محط الاهتمام الرئيس إلى العلاقة بين الكوتش والعميل.
  2. يجب أن يركز المشرف على مصلحة العميل على الرغم من أنَّه لن يقابل عملاء الكوتش على الإطلاق.
  3. يجب أن ينتبه المشرف إلى سلوكاته ومواقفه خلال الجلسة.
  4. إذا كانت المؤسسة تتكفل بنفقات إجراءات الإشراف أو الوقت الذي يخصصه الكوتش أو المشرف، فإنَّ كلاً منهما يكون ملتزماً بعلاقة مع الجهة الراعية ومسؤولاً أمامها.

قد تطرأ مواقف تمس بمصالح الجهة الراعية، أو تعتمد على أخلاقيات الكوتش ومدى التزامه بالاتفاقيات مع الراعي، فقد توظف الشركة كوتشاً لمساعدة المدير على تحسين أدائه، ولكنَّ الأخير يعترف للكوتش بنيَّته في مغادرة الشركة والاستفادة من برنامج الكوتشينغ في العثور على وظيفة جديدة.

هل تسمح أخلاقيات المهنة للكوتش بتحصيل أتعابه من العمل ضد مصالح الشركة؟ لا يمكن أن يفضح الكوتش المدير؛ لأنَّ أخلاقيات المهنة توصي بالحفاظ على السرية في علاقة الكوتش مع العميل، فليس ثمة حل واضح لهذه المعضلة، وهنا يمكن الاستفادة من جلسات الإشراف على الكوتشينغ.

ترتيبات جلسة الإشراف على الكوتشينغ:

يمكن تطبيق نموذج "جرو" (GROW) في جلسات الإشراف على الكوتشينغ وفق المراحل الأربع الآتية:

1. تحديد الأهداف:

تقتضي المرحلة الأولى في جميع تدابير الكوتشينغ تحديد الهدف من المحادثات أو الجلسات أو الاجتماعات، فيجب اتباع نهج يركز على إيجاد الحلول من أجل زيادة الحماسة والنشاط، وتوضيح الهدف، وتوحيد الجهود المبذولة، وتمكين الأفراد من تقييم مدى تقدُّمهم.

2. تحليل الوضع الراهن:

تقتضي هذه المرحلة تعاون كل من الكوتش والمشرف على تحليل إنجازات وتحديات المرحلة الراهنة في مسيرة الكوتش؛ إذ تساعد هذه المرحلة على جمع المعطيات والمعلومات التي يحتاج إليها المشرف لتحديد الطريقة المناسبة لمساعدة الكوتش.

3. دراسة الخيارات المتاحة:

تقتضي مهمة المشرف في هذه المرحلة دراسة جملة الأدوات والتقنيات المتاحة لمساعدة الكوتش، وقد تشمل هذه الخيارات برامج الكوتشينغ، أو المنتورينغ، أو تقديم النصح والتوجيه، أو مقارنة التجارب، أو استخدام إحدى أدوات الإشراف على الكوتشينغ التي يستخدمها المشرف عادةً.

4. التنفيذ:

يتم في هذه المرحلة تطبيق الوسائل والطرائق التي يحتاج إليها الكوتش لإحراز التقدم؛ إذ تبدأ جلسة الإشراف على الكوتشينغ بمرحلة التعاقد وتنتهي بخاتمة مناسبة يلخص فيها المشرف والكوتش محاور الجلسة، ويعربان عن شكرهما وتقديرهما للجهود المبذولة، ويقيِّمان التقدم الناتج، وتنطبق هذه الخطوات على جلسات الكوتشينغ والاجتماعات ولقاءات عقد الشراكات.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح لتحقيق أقصى استفادة من الإشراف على جلسات الكوتشينغ

أدوات الإشراف على الكوتشينغ:

قد يحسِّن المشرف على الكوتشينغ ممارساته عن طريق دراسة النماذج والمنهجيات المستخدَمة في عمليات الإشراف على الكوتشينغ، مثل نموذجي "العقد الرباعي"، و"جرو" المذكورين آنفاً.

يجب الاطلاع أيضاً على "نموذج المحادثات السبع" (Seven Conversations Model) لأستاذ الكوتشينغ "ديفيد كلاتربوك" (David Clutterbuck)، و"نموذج العيون السبع" (Seven-Eyed Model) لأستاذ الإشراف "روبن شوهيت" (Robin Shohet)، وأستاذ القيادة "بيتر هوكينز" (Peter Hawkins)، و"نموذج الخطوات الأربع" (Four-Step Model) للمؤلفة والمتحدثة "نانسي كلاين" (Nancy Kline).

يوجد أيضاً عدد من التقنيات والأدوات المتعلقة بمجال الكوتشينغ والمستخدَمة بغية زيادة فاعلية ممارسات كل من المشرف والكوتش، وهي تضم الكوتشينغ الجسدي، وتقديم التغذية الراجعة، وتقنيات التغلب على المعتقدات المقيِّدة للقدرات والإمكانات الذاتية، و"مثلث كاربمان الدرامي " (the Karpman Drama Triangle)، و"التحليل التفاعلي" (Transactional Analysis)، و"التعبيرات المجازية"، و"اللغة النظيفة" (Clean Language).

لكن كيف يتأكد الكوتش والمشرف أنَّهما يحققان أقصى فائدة ممكنة من وقت الجلسة؟ يُنصَح أن يبدأ المشرف بالتعاقد مع الكوتش وتحديد أطر العلاقة وآلية العمل والالتزامات المطلوبة من الطرفين، فقد يعمل المشرف وفق أيٍّ من السياقات الآتية:

  1. الكوتش: علاقة متلقي الكوتشينغ.
  2. الكوتش: علاقة المشرف.
  3. المؤسسة الراعية.
  4. أداء الكوتش.
  5. تعلُّم الكوتش.
  6. التفكر الذاتي للمشرف.
  7. التلخيص والختام.

أنواع الإشراف على الكوتشينغ:

يُحدَّد نوع الإشراف بحسب العوامل الثلاثة الآتية:

1. عدد المشاركين: فردي أو جماعي

تنجح ممارسات الإشراف على الكوتشينغ في البيئات الجماعية؛ وذلك لأنَّها تتيح للمشاركين إمكانية التعلم من بعضهم؛ إذ تقدِّم "جمعية الكوتشينغ" جلسات منتورينغ وإشراف شهرية بالمجان، وفيها يستقبل خبير التقييم اتصالات من 8 كوتشز على الأكثر لمناقشة القضايا المتعلقة بالكوتشينغ، ومشاركة النصائح، والاستفادة من تبادل التجارب والخبرات، وهذه المكالمات لا تغني عن جلسات الإشراف على الكوتشينغ التي يجب أن تتم بشكل دوري.

2. آلية العمل: المنتورينغ أو الإشراف بين الأقران

يساعد الإشراف على تأمين بيئة تتيح للكوتش إمكانية التفكير في ممارساته وتحليلها، لهذا السبب يُنصَح بتطبيق الإشراف على الكوتشينغ بين الأقران، ولا يُشترَط أن يكون المشرف أكثر خبرة من الكوتش لتطبيق هذه الطريقة؛ إذ يتبادل بعض الكوتشز خدمات الإشراف فيما بينهم دون مقابل مادي، في حين يفضل آخرون التعامل مع مشرف أو كوتش خبير لقاء مبلغ معيَّن.

3. مصدر إجراءات الإشراف: داخل الشركة أو خارجها

معظم الكوتشز الذين يتعاملون مع المشرفين بشكل دوري يطورون مهاراتهم ويدخلون مجال تقديم الاستشارات بعد مدة؛ إذ تدرك المؤسسات في الوقت الحالي فوائد الكوتشينغ والإشراف، لهذا السبب يجري تدريب المشرفين وتزويدهم بالمؤهلات اللازمة لمساعدة الكوتشز العاملين ضمن المؤسسة.

إقرأ أيضاً: مكونات الإشراف على الكوتشينغ - التفكير والتفكير العكسي

في الختام:

يكوِّن الفرد وجهات نظر وأفكاراً جديدة عندما يخصص بعض الوقت لتحليل مسألة معيَّنة، ويمكن إجراء هذه الدراسة التحليلية عن طريق التحدث والنقاش، وتأجيل اتخاذ القرارات حتى تفكر في الأمر ملياً، أو ممارسة التأمل، أو الصلاة، أو الكتابة، وغيرها من الممارسات التي تساعد على استكشاف الأفكار والمشاعر الكامنة في النفس.

قد يستفيد المرء من وجود المشرف في تكوين وجهات نظر جديدة واكتشاف الحلول التي يحتاج إليها، فقد يكون هذا المشرف عاملاً في مجال الكوتشينغ، أو العلاج النفسي، أو تقديم الاستشارات، أو المنتورينغ، أو التدريس، أو الإشراف على الكوتشينغ، أو ربما هو بكل بساطة شخص مقرَّب منك.




مقالات مرتبطة