الإشراف التربوي والتدريب

علي محمد عـواجي مــدخـلي

يمتاز العصر الذي نعيش فيه بسرعة التطوُّر والتغيُّر حيث يُعَدُّ الانفجار المعرفي من أهم سمات التطوُّر في عصرنا الحاضر مما أدى إلى التطوُّر الكبير الذي حدث لأساليب التربية والتعليم بتطور الزمن وما طرأ عليه من تقدم علمي وثقافي، لذا فإن الحاجة ملحة إلى اتباع أساليب التدريس الجيدة والكفيلة بتنشئة طلاب منتجين ومشاركين وهنا يأتي دور المُعلِّم الناجح الذي يختار الطريقة والوسيلة المناسبة لطبيعة الدرس والمتوافقة مع واهتمامات الطلاب. ومن هذا المنطلق يحتاج المُعلِّم إلى تطوير كفاءاته العلميَّة والتربويَّة والتي تتحقق عن طريق الاطلاع المستمر والدورات التدريبيَّة التي تنظمها إدارته التعليميَّة. لذا يُعَدُّ التدريب في أثناء الخدمة مطلباً هاماً للنمو المهني لدى المُعلِّم وهو الوسيلة الفعَّالة لتحقيق التطوُّر التربوي حيث إنّ المُعلِّم هو أداة التغيير ووسيلة التطوير ومفتاح التجديد، ومهما طورنا من مُقرَّرات دراسيَّة وأدخلنا من وسائل وقمنا بإعداد الخطط والبرامج دون أن نرفع الكفاءة المهنيَّة للمُعلِّم فإن جهود الإصلاح والتطوير سرعان ما تكون أقل فاعليَّة. فالتدريب التربوي ضرورة مُلحة لتطوير أداء المُعلِّمين وهو بحق أفضل استثمار يمكن أن يحقق عائداً مثمراً ومجزياً متى كان جاداً وهادفاً.



مفهوم الإشراف التربوي:
(الإشراف عملية فنيَّة تخطيطية شورية قيادية إنسانيَّة شاملة غايتها تقويم وتطوير العملية التعليميَّة والتربويَّة بكافة محاورها) ومن هذا المفهوم نستنتج الدور الهام الذي يقوم به الإشراف التربوي في تطوير جميع محاور العملية التعليميَّة والتربويَّة ومن ذلك العناية بتدريب المُعلِّمين لتطوير أدائهم وإثارة دافعيتهم إلى النمو المهني.

مفهوم التدريب التربوي:
هو أي برنامج مخطط ومصمم لزيادة الكفاءة الإنتاجية عن طريق علاج أوجه القصور أو تزويد العاملين في مهنة التعليم بكل جديد من المعلومات والمهارات والاتجاهات لزيادة كفاءتهم الفنيَّة وصقل خبراتهم.

أهم الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها التدريب التربوي للمُعلِّمين في أثناء الخدمة:
من المعلوم أن أي برنامج يُخطط له دون تحديد لأهدافه لا يكون له قيمة أو أثر في المستفيدين منه، وفيما يأتي أعرض جملة من الأهداف المراد تحقيقها في البرامج التدريبيَّة التربويَّة على سبيل المثال لا الحصر:

  • رفع مستوى أداء المُعلِّمين في المادة بتطوير معارفهم وزيادة قدراتهم على التجديد والإبداع
  • تعزيز خبرات المُعلِّمين وتطوير مهاراتهم وتعريفهم بمشكلات التعليم وطرائق علاجها.
  • تبصير المُعلِّم بالطرائق المناسبة والتي تساعده على أداء عمله بطريقةٍ جيدةٍ وبجهدٍ قليل وفي وقتٍ قصير.
  • معالجة أوجه القصور لدى المُعلِّمين غير المؤهلين تربوياً.
  • تعريف المُعلِّمين بالأساليب الحديثة المُتطوِّرة في التربية وطرائق تحسين العلاقة الإنسانيَّة داخل البيئة المدرسيَّة.
  • اكتشاف المعلمين ذوي الكفاءات الجيدة والذين يمكن الاستفادة منهم في العديد من المجالات مثل: المشاركة في تطوير المُقرَّرات الدراسيَّة وإنتاج الوسائل التعليميَّة ورفع الروح المعنويَّة بمشاركتهم في الرأي والأخذ بمقترحاتهم.

 

الاحتياجات التدريبيَّة ومصادر تعرُّفها:
عند التخطيط لأي برنامج تربوي لابد لنا من أن نقوم بتحديد الاحتياجات التدريبيَّة والتي تُعَدُّ الأساس الذي يقوم عليه التدريب السليم بهدف تحقيق الكفاءة وتحسين الأداء وفي ضوء تحديد الاحتياجات التدريبيَّة يتم تصميم البرنامج التدريبي. ومن أهم المصادر التي نستطيع من خلالها تحديد الاحتياجات التدريبيَّة ما يأتي:

  1. توصيف مهام المُعلِّم وتحديد مسئولياته وواجباته والمُتطلَّبات الأساسيَّة منه.
  2. الملاحظات التي ترصد في أثناء الزيارة الصفيَّة مثل: (استخدامه لطرائق التدريس المناسبة، ومدى توظيفه للوسائل التعليميَّة توظيفاً سليماً، وقدرته على إدارة الصف وضبطه).
  3. الأخذ برأي مدير المدرسة حول نقاط الضعف التي يرصدها على المُعلِّم داخل الصف وخارجه.
  4. الاجتماع مع المُعلِّمين والحوار معهم يعطي مؤشراً عن مدى إلمام المُعلِّم بالمادة العلميَّة ومدى الحرص على الاطلاع والقراءة، إضافةً إلى تلمس الرغبات والاحتياجات التي يريد المُعلِّم تحقيقها لتطوير كفاءاته وتحسين أدائه.
  5. دراسة الأهداف المُحدَّدة دراسة مستوفية تعطي مؤشراً عاماً إلى الاحتياجات اللازمة للمُعلِّمين.
  6. بطاقة تقويم الأداء الوظيفي تُعَدُّ أحد المصادر الهامة والتي توضح أهم جوانب القصور عند المُعلِّم.
  7. شكاوى المُعلِّمين والتي توضح عدم رضاهم الوظيفي عن بعض جوانب العمل التعليمي لابد لها من أن تُؤخذ في الحسبان بحيث تجرى لها دراسة لكي تتضح أسبابها ويَسهُلُ علاجها بالتدريب.

 

كيف يتفاعل المشرف التربوي مع برامج التدريب؟
هناك العديد من الطرائق التي يستطيع المشرف التربوي من خلالها التفاعل مع برامج التدريب أذكر أهمها فيما يأتي:

  • إسهامه في التخطيط للبرامج التدريبيَّة وتزويد القائمين على التدريب بمستوى الكفاءات التعليميَّة لدى المُعلِّمين وتحديد أولويات احتياجاتهم إلى التدريب.
  • اشتراكه في تنفيذ برامج التدريب بإلقاء المحاضرات وعمل المشاغل التربويَّة وعقد الحلقات الدراسيَّة والدورات التربويَّة القصيرة لمعالجة بعض المشاكل التي تعترض سبيل المعلمين.
  • متابعة أثر البرامج التدريبيَّة عند زيارته للمُعلِّمين الذين التحقوا بدورات تدريبيَّة سابقة.
  • قيامه بإعداد المواد التعليميَّة اللازمة لتنفيذ برامج التدريب على ضوء ما يستجد في التربية بصفةٍ عامة وفي مادة تخصصه بصفةٍ خاصة.
  • تعاونه مع جهاز التدريب بتصميم استبانات خاصة لتحديد احتياجات المُعلِّمين والتي بدورها ستصبح أهدافاً للبرامج التدريبيَّة المقبلة.
  • أن يُعِدَّ قائمة بأهم المراجع والدوريات العلميَّة والتربويَّة المفيدة للمُتدرِّبين وإرسالها إلى القائمين على التدريب حتى يتم توفيرها للدارسين.
  • مشاركته في أساليب وطرائق التقويم المناسبة للبرامج التدريبيَّة ومدى فاعليَّة هذه البرامج في تحقيق أهدافها
  • حتى يصبح المشرف التربوي أكثر فاعليَّة في برامج التدريب عليه أن يتعرَّف على التغذية الراجعة من قِبَل نظام التدريب لمعرفة مدى نجاح أساليبه الإشرافية التي يستخدمها في تحقيق أهداف البرامج التدريبيَّة التي يشارك فيها.

 

كيف يكون البرنامج التدريبي فعَّالاً وموضوعياً وواقعياً؟
يلاحظ على بعض المُعلِّمين في أثناء تنفيذ البرامج التدريبيَّة النفور والملل، وتقديم الأعذار العديدة للقائمين على التدريب لإعفائهم منها. وحتى تكون هذه البرامج أكثر جذباً وتشويقاً متصفةً بالموضوعية والواقعيَّة ويتفاعل معها الدارسون بشكل جيد وأن تكون مرتبطة بالجوانب الحضاريَّة والثقافيَّة والسياسيَّة للمجتمع مسايرة للتقدُّم التكنولوجي ومتيحة للدارسين العديد من الفرص لمناقشة المشكلات وتحليل المواقف العملية وتنمية مهاراتهم وإضافة الجديد إلى معارفهم وخبراتهم المؤدية إلى تحسين أدائهم، وأن يُراعى في عملية تقويم هذه البرامج الأخذ برأي المُتدرِّبين والمحاضرين وأن يكون البدء بتطوير هذه البرامج أولاً في ضوء نتائج عملية التقويم، وأن يختار لهذه البرامج المُدرِّبون والمشرفون والمحاضرون أصحاب الخبرة الجيدة والمتمكنون من المادة العلميَّة والإلمام بالأساليب التربويَّة الحديثة والتي تؤهلهم للقيام بهذه البرامج على الوجه المطلوب، و مما يزيد في فاعليَّة البرامج التدريبيَّة وضع الحوافز التشجيعية لها لإثارة دافعيَّة الدارسين وبعث روح التنافس فيما بينهم ومن هذه الحوافز على سبيل المثال لا الحصر، الأولوية في التنقلات الداخلية والخارجية ومواصلة الدراسات العليا، وتكريم المُتميِّزين منهم في الاحتفالات التربويَّة ومنحهم شهادات الشكر والتقدير.

 

أساليب ووسائل التدريب:
تتنوَّع أساليب ووسائل التدريب حسب عدد المُتدرِّبين ونوعيَّة البرامج وعلى ذلك يكون الأسلوب التدريبي هو الطريق الذي يتم من خلاله تنفيذ البرامج التدريبيَّة باستخدام الوسائل والإمكانات المتاحة والمحققة لأهداف التدريب ومن أهم الأمور التي يجب مراعاتها في ذلك ما يأتي:

  1. ملاءمة الأسلوب التدريبي موضوعات التدريب واحتياجات المُتدرِّبين
  2. أن يتوافر في مكان التدريب الشروط الصحية والموقع المناسب للمُتدرِّبين وسهولة الوصول إليه وتوفير الوسائل والأدوات والأجهزة اللازمة للبرنامج وتوفير قاعات مناسبة لعقد المحاضرات والندوات والحلقات الدراسيَّة وورش العمل وإقامة الدروس.
  3. تحديد مدة البرنامج التدريبي وتوقيته مع مراعاة ظروف الدوام الرسمي للمُتدرِّبين وتحديد الساعات المُقرَّرة لكل موضوع.

وتنقسم أساليب التدريب التربوي إلى نوعين:

  • أساليب التدريب النظري مثل (المناقشة، والمحاضرة، والندوات، والقراءات والبحوث الإجرائية، والنشرات الإشرافية الموجهة).
  • أساليب التدريب العملي مثل (الدروس التطبيقيَّة، والمشاغل التربويَّة، وإنتاج الوسائل التعليميَّة، والزيارات والرحلات الميدانيَّة والتجارب العملية).

 

خـاتـمـة
يتبين لنا مما سبق أهمية التدريب التربوي للمُعلِّمين في أثناء الخدمة والدور الهام الذي يقوم به الإشراف التربوي في ذلك، لذا أرى أن من الضروريات اللازمة لتحسين أداء المُعلِّم العمل على استمرارية هذه الدورات وتطويرها وحتى تحقق البرامج التدريبيَّة النجاح المطلوب لابد أن يكون بناؤها وفق أهداف مُحدَّدة وواضحة وأن يكون تصميم موضوعاتها نابعا من احتياجات المُتدرِّبين وأن يكون للمشرف التربوي دور فاعل فيها بالمساهمة في تخطيط برامجها والمشاركة في تنفيذ موضوعاتها، وحتى تكون هذه البرامج أكثر موضوعية وواقعيَّة لابد لها من أن تساهم في حل المشكلات التي يتصدّى المُعلِّمون في الميدان، وأن يكون لها دور كبير في إثراء خبرات المُعلِّم بالمادة العلميَّة الجيدة والأساليب التربويَّة الحديثة ، وسوف ينعكس هذا كله بإذن الله على رفع مستوى أبنائنا الطلاب والذين يُعَدُّون المورد البشري الهام في بناء بلداننا والمساهمة في خططها التنمويَّة.

 

علي محمد عـواجي مــدخـلي

مجلة المُعلِّم