الأفاكيه والنوادرمدخل لتدريس فنون اللغة العربية

الكتاب: الأفاكيه والنوادرمدخل لتدريس فنون اللغة العربية

المؤلف: د. عبد الله بن سليم الرشيد.

الناشر: دار طويق للنشر والتوزيع.
لطيفة بنت فهد القباع ـ الرياض

تقوم فكرة هذا الكتاب على طريقة مبتكرة في تدريس اللغة العربية، تهدف إلى تقريب المعلومة للتلاميذ وترسيخها في أذهانهم، وإشعارهم بأنهم يدرسون لغة سهلة، ماتعة، تنبض بالحياة.. وذلك من خلال طرح الأفاكيه والنوادر ذات الصلة بموضوع الدرس.. وقد انتقى الكاتب من تراث العرب وآدابهم القديمة والحديثة عددًا من النماذج التي يمكن أن يقدمها المدرس لتلاميذه أو أن ينسج على منوالها.



ومؤلف الكتاب ليس حديث عهد بفكرته، فنشرها منذ سُنيات في مجلة الفيصل في مقالة تحمل نفس عنوان الكتاب.. كما طبق شيئًا من مفهومها ـ لكن بطريقة هزلية ـ في مقالة نشرت في صحيفة جامعة الإمام تحت عنوان (بهجة البهلول فيما جاء بزنة الفعلول). وفي تحقيق أجري في الصحيفة نفسها حول مادة البلاغة، نعى الطريقة المتبعة في تدريسها، ودعا إلى تجديد الدم في جسدها بطرق مختلفة منها ربط البلاغة المدونة بالبلاغة الموجودة في حياة الناس، وهذا مما أثبته في كتابه.

 

وقد قسم المؤلف كتابه وفق فنون اللغة العربية، وتحت كل مبحث أدرج مجموعة من الفِقر على النحو التالي:

أولاً: (في النحو والصرف) أورد في هذا المبحث ستًا وعشرين فقرة، منها: (بيان أهمية النحو من خلال الشعر والأخبار المستطرفة، والقواعد المختصرة المسجوعة، وبعض الضوابط اللغوية، والنكت النحوية واللغوية، والمحاور النحوية، والألغاز النحوية، ومن دقائق التعبير في اللغة، ومن النوادر اللغوية، والمختصرات النحوية واللغوية..).

ومن نماذج هذا المبحث قول المؤلف تحت عنوان (القواعد المصوغة صياغة طريفة): وهذا أسلوب عمد إليه بعض الأدباء المشتغلين بالنحو تطرية للقواعد النحوية، وتقييدًا لها على هيئة محببة، تمتزج أحيانًا بروح ساخرة، مثل قول الزمخشري (مشيرًا إلى قاعدة أن الجمع مؤنث):إن قومي تجمعواوبقتلي تحدثوا لا أبالي بجمعهم(كل جمع مؤنث) ومثل ذلك في طرافته قول محمد البزم معرفًا الحال تعريفًا طريفًا:(إن الحال نعت خالف منعوته، فعوقب بالنصب) يشير ذلك إلى كون الحال نكرة منصوبة، وصاحبها معرفة.

وتحت عنوان (ربط المادة اللغوية باللهجات المعاصرة) يقول:(في بعض لهجات نجد يوقف على نون الوقاية مسكنة، فيقال: أعطانْ وزارنْ، أي أعطاني، وزارني، ولهذه اللغة شواهد في القرآن الكريم كقوله تعالى: {وإذا مرضت فهو يشفين}، ومن بقايا اللهجات القديمة المجيء بـ(ام) بدلاً من (ال) التعريفية، وهذه شائعة في جنوب الجزيرة العربية إلى يومنا هذا، ولعل منها قول المصريين: (امبارح) يريدون (البارح).. مما يمكن أن يستظرفه التلاميذ جمع بعض الفصيح المشتهر في اللهجات العامية، ومن نماذجه الكثيرة طس (أي:ذهب)، كركر (ضحك)، انسدح (ألقى بنفسه على الأرض)، سكّر الباب (أغلقه)، مش (مسح)، كفَخَه (ضربه).. وهلم جرا...)،

ثم يقول:(إن هذا الربط مهم، لأنه يلقي في روع التلميذ سهولة اللغة ويبسطها له)، ويضيف: (أذكر أني كنت أدرس باب التصغير، فسألت التلاميذ عن تصغير (هذا)، فكان من اجتهادهم أن تصغر على (هويذا) و(هذيذا)، وما وقعوا في هذا الغلط العجيب إلا لأنهم توهموا أن النحو والصرف مرتبطان بالتقعر والتكلف، وأنه لا وجود لهما في كلامنا، فلما سألتهم أن يذكروا تصغير العامة لهذه الكلمة أجاب كثير منهم، (هذيّا)، وهكذا لما ساروا على سجيتهم، وانعتقوا من الهوم أصابوا المحزّ).

 

ثانيًا: (في الأدب) ويندرج تحت هذا المبحث خمس وعشرون فقرة، منها: (الخطب الهزلية، الأدب المصنوع، مراثٍ شعرية نادرة، أوصاف لمخترعات عصرية، من غزل أرباب الحرف، أهاجٍ دامغة، الألغاز الشعرية، نوادر من تاريخ الأدب).

 

ثالثًا: (في البلاغة والنقد) وفيه: (من الصور الرديئة، من نوادر التورية، لطائف من فنون البديع، البلاغة المعاصرة).

 

رابعًا: (في العروض) وتحته: (مقامة العروض، طرائف في العروض، نكت عروضية، ضوابط البحور ومعارضاتها).

 

خامسًا: (في علم القوافي)، ونجد فيه: (القوافي الغريبة، القوافي الحسية أو الإشارة، مقامة القوافي، فن تغيير القوافي، طرائف ذات صلة بالقوافي، قصيدة نادرة الطريقة).

 

سادسًا: (في الإملاء والخط والكتابة)، ويندرج منه: (أقوال في وصف الخط والكتابة، من اللطائف، نوادر مفيدة في تدريس علامات الترقيم).

 

سابعًا: (في القراءة والمطالعة)، ولا يندرج تحت هذا المبحث أي من الفقرات، وهو أقصر مباحث الكتاب، فلم يزد على صفحة واحدة، وقد علل المؤلف لذلك بأن الإنشاء يجمع الفنون كلها.

 

ورغم أن الكتاب يعرض طريقة لتدريس اللغة العربية، ورغم أنه يصنف ضمن كتب طرق التدريس، إلا أنني أرجو ألا يظن أنه قصر على مدرسي اللغة العربية، بل إن للدارسين منه الحظ الأوفر، ذلك أن فيه من الفوائد العلمية المسوقة بأسلوب طريف ما يطوي لهم الطريق إلى عدد من الكتب، إضافة إلى ما يلقيه في روع القارئ/التلميذ أن ما يدرسه شيء طريف ماتع، وهو يستشعر ذلك منذ أن يصافح ناظراه عنوان الكتاب، حيث آثر المؤلف لفظة «فنون» التي توحي بأن اللغة فن جميل مبدع بخلاف ما توحيه لفظة «علوم» ونحوها.وكان مما لحظته على الكتاب: تعدد الفقر الواردة تحت مبحث النحو، فقد بلغت ستًا وعشرين فقرة، ولعل الكاتب أراد بذلك التيسير على القارئ بحيث يصل إلى مبتغاه سريعًا وبنظرة خاطفة إلى فهرس المحتويات، غير أن هذه الكثرة ـ في نظري ـ تشتت الذهن، وتشعر القارئ بأنه يقرأ مادة صخمة ثقيلة ولا سيما في مبحث النحو الذي حوى فوائد علمية قيمة أظن أن أكثرها سيكون جديدًا على القارئ، إضافة إلى الألغاز النحوية ذات المجهود الذهني المكثف، وهو ما يجعل الذهن مثقلاً بالمعلومات وأحوج إلى ترتيبها. وقد وجدت أن بعض هذه الفقر متداخل، بحيث يمكن أن تدرج فقرتان أو ثلاث (بعض المعارضات الطريفة للألفية)، ثم ثالثة تحت عنوان (نوادر في نظم النحو)، وهي أيضًا تدور حول الألفية، فلو جمعت هذه الفقر في إضمامة واحدة، تحت عنوان يشف عما تحته لكان ذلك أيسر على القارئ وأدعى إلى الترتيب الذهني، ولكم وددت لو أن المؤلف أولى مبحث البلاغة والنقد ما يستحقه من العناية والاهتمام، غير أنه أوجز فيه، فلم يتجاوز أربع فقرات في أربع عشرة صفحة، في حين أن مبحث النحو والصرف بسط فيما يقارب أربعين صفحة حوت ستًا وعشرين فقرة، وكذلك الأمر في مبحث الأدب، وهذه الإطالة في مبحثي النحو والأدب ليست ـ في نظري ـ ما يستدعيه المقام أو مما لا يمكن الاستغناء عنه، بل إن فيها تكرارًا لبعض الشواهد، رغم طولها وتقارب معانيها، ففي مبحث الأدب تجد «وصية لأحد شيوخ الطفيليين» ويليها «وصية أخرى في التطفيل» فالمعنيان متقاربان، ومع ذلك لم يكتف بواحدة من الوصيتين رغم طولهما.

 

وقد تنبه الكاتب لما ألحقه بمبحث البلاغة والنقد من إيجاز، فاحترز بقوله ـ عن الأفاكيه والنوادر التي تخص درس البلاغة والنقد ـ: (إنها مما يعيا دونه الحصر والاستيعاب ولكني مشير إلى بعضها باختصار)، وهذا الاختصار لا شيء فيه إذا كان الكاتب قد اتخذه منهجًا له في جميع المباحث، أو أنه اتبعه في مبحث آخر غير مبحث البلاغة والنقد، فلم نلمه على إيجازه في مبحثي العروض والقوافي، لأن طبيعة المادة تقتضي بذلك، أما مبحث البلاغة والنقد فهو من ألصق المباحث بفكرة الكتاب، وأكثرها قدرة على تحقيق هدفه، لو أن الكاتب أولاه ما يستحق من العناية والاهتمام.ولا أدري لماذا خص المؤلف مبحث القوافي بإضافة لفظ «علم» إلى عنوانه، بحيث يصبح هكذا:(في علم القوافي) في حين لم تحظ المباحث الأخرى بهذه الإضافة، فهي بهذا الشكل:(في النحو والصرف)، (في الأدب)، (في البلاغة والنقد)، وهكذا.وأخيرًا: فإن من يقرأ الكتاب ليدرك مقدار ما بذله المؤلف من وقت وجهد، ويقدر له حرصه على أن تتألق اللغة في أعين دارسيها جمالاً وخفة.

المعرفة الأرشيفية

تدريس اللغة العربية بالأفاكيه والنوادر:« كركر » الولد حتى « إنسدح »!