الأسس النظريَّة للتعليم عن بُعد

د. علاء صادق

مُقدِّمة

كان للثورة الصناعيَّة في القرن التاسع عشر العديد من الإسهامات في مجالات العلوم والتكنولوجيا بصفة عامة كما قدمت للتربويين بصفة خاصة العديد من الأدوات والبدائل لبداية عصر جديد من التعليم، وقد كان التعليم عن بُعد واحداً من أهم نتائج هذه الثورة. فقد قدمت الإذاعة المسموعة والتلفزيون المرئي ووسائل الاتصال الحديثة العديد من الحلول لتطوير ونقل المناهج التعليميَّة خارج الفصول التقليديَّة. كما ازداد شغف الطلاب وأولياء الأمور بالبحث عن مصادر التعلُّم والالتحاق بمراكزها مما كان له الأثر في الانتشار السريع للعديد من مُؤسَّسات التعليميَّة وبرامج التعليم عن بُعد.



وقد تطوَّرت نظم التعليم عن بُعد حتى أصبحت واحدة من نظم التعليم المعتمدة والرسميَّة في العديد من الدول والأنظمة التعليميَّة خاصة لهؤلاء الذين حالت بينهم وبين الحضور لقاعات التعلُّم في المدارس والجامعات عوامل اقتصاديَّة أو سياسية أو جغرافية. ولما كان تصميم برامج التعليم عن بُعد يتطلَّب فهم ماهية التعليم عن بُعد وأهدافه وأشكاله ومراحله والتكنولوجيا المُستخدَمة، فإن هذا الفصل يلقي الضوء علي أهم الموضوعات المتضمنة والمرتبطة بالتعليم عن بُعد.

مفهوم التعليم عن بُعد

تنبع أهمية تحديد مفهوم للتعليم عن بُعد من كونه نقطة بداية جيدة للتعرُّف على مُكوَّنات أو عناصر نظم التعليم عن بُعد. في البداية، يلاحظ المهتمون والمُتخصِّصون أن هناك لبساً في استخدام مصطلحي التعليم عن بُعد Distance Education)) والتعلم المفتوح
 (Open Learning) أدى إلى استخدامهما للإشارة إلى نوع واحد من التعليم الذي يتم خارج حجرات الدراسة المدرسيَّة أو قاعات المحاضرات الجامعيَّة. يقصد بالتعليم عن بُعد بصفة عامة ذلك النوع من التعليم المقصود والمُنظَّم الذي يتضمَّن بيئة تعلم، ومعلّمين وطلاباً منفصلين مكانياً عن المُعلِّم وعن بعضهم بعضاً. وتحفل أدبيات تكنولوجيا التعليم والتعليم عن بُعد بالعديد من التعريفات الهامة التي تُوضِّح ماهية التعليم عن بُعد وعناصره وسنستعرضها باختصار فيما يأتي.

يُعدُّ تحديد هولمبرج ((Holmberg لمصطلح التعليم عن بُعد والذي اقترحه في عام (1977) من أشهر التعريفات وأبسطها وأكثرها تداولاً في دوريات التعليم عن بُعد، وهو يعرف التعليم عن بُعد كالآتي:

(a term that covers the various forms of study at all levels which are not under the continuous immediate supervision of tutors ,present with their students in lecture rooms or the same premises, but which, nevertheless, benefit from the planning, guidance and tuition of a tutorial organisation’ (Holmberg, 1977, p. 9)).

حيث يشير إلى أنه مصطلح يشمل كافة أساليب الدراسة وكل المراحل التعليميَّة التي لا تتمتع بالإشراف المباشر والمستمر من قِبَلِ مُعلِّمين يتواجدون مع طلابهم داخل قاعات الدراسة التقليديَّة ولكن تخضع عمليَّة التعليم لتخطيط وتنظيم وتوجيه من قِبَلِ مُؤسَّسة تعليميَّة ومُعلِّمين.

وقد تبنى وطور رمبل Rumble)) هذا المفهوم لاحقاً حيث يرى أن التعليم عن بُعد نظام تعليمي يتم فيه:

  1. الفصل بين المُتعلِّم والمُعلِّم مكانياً وزمانياً.
  2. إعداد المواد التعليميَّة بشكل ييسر عمليَّة التعلُّم عن بُعد.

وطبقاً لهذا التعريف فإن المواد التعليميَّة المختلفة تحتل أهمية خاصة في برامج التعليم عن بُعد كما يجب أن تصمم بشكل يساعد على تحقيق تعليم فعَّال عن بعد. ومع التطوُّر المتلاحق في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات طور "مور وكيرزلي (Moore and Kearsley) في عام (1996) تعريفاً جديداً للتعليم عن بُعد يستفيد من دور هذه التكنولوجيا في تطوير نظم التعليم عن بُعد.

‘(the family of instructional methods in which the teaching behaviours are executed apart from the learning behaviours, including those that in a contiguous situation would be performed in the learner’s presence, so that communication between (the teacher and the learner must be facilitated by print, electronic or other devices’ (Moore and Kearsley, 1996 ,P.197))

حيث يريان أنّ التعليم عن بُعد هو مجموعة من الأساليب التعليميَّة والتي تتم فيها عمليَّة التدريس في معزلٍ عن عمليَّة التعلم، بما فيها المواقف التي تتطلَّب التقاء المُعلِّم والمُتعلِّم. ولذلك كان لابُدّ من توافر وسيلة اتصال أو أكثر بين المُعلِّم والمُتعلِّم لتيسير عمليَّة التفاعل كالمواد المطبوعة التقليديَّة والإلكترونيَّة ووسائل الاتصال المختلفة. ويرجع الفضل لهذا التعريف إلى إلقاء الضّوء على أهمية وسائل الاتصال في برامج التعليم عن بُعد لتوفير قناة اتصال مباشرة وسريعة وذات اتجاهين (two-ways) بين المُتعلِّم والمُعلِّم للتغلُّب على حاجز المكان والزمان ولدعم المُتعلِّم في أثناء عمليَّة التعلم.

مما سبق يتضح أن هناك أربع خصائص رئيسة تحدد مفهوم التعليم عن بعد:

  1. التباعد المكانيبين المتعلم والمعلم.
  2. التباعد المكاني فيما بين المتعلمين.
  3. استخدام وسيط أو أكثر لحمل وتوزيع المحتوي التعليمي على الطلاب.
  4. استخدام قناة اتصال لتيسير التفاعل بين المعلم والمتعلم ولدعم المتعلمين.

العلاقة بين المُعلِّم والمُتعلِّم عن بعد

تتصف العلاقة بين المُعلِّم والمُتعلِّم في فصول الدراسة التقليديَّة بأنها علاقة تفاعل مباشر أو وجهاً لوجه (face-to-face) ما بين المُعلِّم والمُتعلِّم. حيث يُحدِّد المُعلِّم أهداف الدرس ويعد محتواه، ويستخدم أسلوب التدريس المناسب مع طلابه ويناقشهم فيه، يختار ويُصمِّم الوسائل التعليميَّة المناسبة، يقترح الأنشطة التعليميَّة، يدير الفصل ويُحدِّد قواعد النظام ويُقوِّم نتائج التعلُّم ويقدم التغذية الراجعة. باختصار، فإن للمُعلِّم دوراً رئيساً في إدارة عمليَّة التعلُّم ودعم الطلاب.

وعلى الرّغم من أنّ التعليم عن بُعد يتصف بالفصل المكاني والزماني بين المُعلِّم والمُتعلِّمين، إلا أن ذلك لا يعني أنّ المُتعلِّم عن بعد (distance learner) يقوم بعمليَّة التعلُّم بشكل منفرد وبمعزلٍ عن المُعلِّم أو أن لديه القدرة على التحكُّم في عمليَّة التعلُّم بنفسه ودون تدخل أحد. ومع تطوُّر تكنولوجيا الاتصالات ومفهوم التعليم عن بُعد، تنوعت أدوار المُعلِّم عن بعد لدعم المُتعلِّم والارتقاء بنواتج التعلم. فالمُعلِّم عن بعد (distance tutor) يمكنه اختيار أسلوب التدريس المناسب للمُتعلِّم، واقتراح مصادر التعلُّم المناسبة لاحتياجات المُتعلِّم، وتحديد مدى الدعم الذي يحتاج إليه المُتعلِّم في أثناء عمليَّة التعلُّم وكذلك تقويمه في نهاية البرنامج.

مما سبق يتضح أن هناك مُكوَّنين رئيسين في بيئة التعلُّم عن بُعد: الموضوع الدراسي (subject matter) والحوار dialogue)). ويتم الحوار في الغالب بين المُتعلِّم والمُعلِّم ويكون من مسؤولية الأخير التشجيع عليه واستغلاله لتحسين نواتج عمليَّة التعلُّم من خلال الأنشطة المختلفة التي يمكن أن يقترحها المُعلِّم وكذلك من خلال عمليات التقويم المستمر. ومن الأساليب التي يمكن أن تستخدم لتشجيع المُتعلِّم على التفاعل بفاعليَّة مع المُعلِّم عن بعد زيارة المُعلِّم أو ممثلين عن المُؤسَّسة التعليميَّة للطلاب في مواقعهم، تشجيع الطلاب على زيارة المركز الرئيس لبرنامج التعليم عن بُعد ومقابلة المُعلِّمين واستخدام أساليب الاتصال المعتادة والتي يستخدمها الطلاب بكثرة كالتليفون والبريد الإلكتروني.

ويمكن تلخيص العلاقة التقليديَّة بين المُعلِّم والمُتعلِّم في برنامج للتعليم عن بُعد بالشكل المُبيَّن. حيث يُصمِّم المُعلِّم المحتوى وينقله إلى المُتعلِّم باستخدام أحد الوسائط والذي يستقبله بدوره. وباستخدام أحد الوسائط الأخرى يمكن للمُتعلِّم أن يتفاعل مع المُعلِّم لمناقشة موضوع معين أو الاستفسار عنه أو طلب المساعدة على حل مشكلة.

شكل (1) العلاقة التقليديَّة بين المُعلِّم والمُتعلِّم عن بعـد:

ومع تطوُّر تكنولوجيا التعليم والاتصال أمكن نقل المحتوى التعليمي وإجراء عمليَّة الاتصال ذات الاتجاهين (من المُعلِّم إلي المُتعلِّم وبالعكس) في آن واحد وباستخدام التقنية نفسها، كما في حالة التعلُّم عن طريق الويب. ومن ثمَّ يمكن تعديل الشكل السابق لتصبح التكنولوجيا هي الوسيط بين المُتعلِّم والمُعلِّم عن بعد، حيث يمكن للمُعلِّم نقل المحتوى وتطويره في آن واحد، كما يمكن للمُتعلِّم التفاعل مع المحتوى ومع المُعلِّم في آنٍ واحد كما هو مبين بالشكل.

شكل (2) العلاقة بين المُعلِّم والمُتعلِّم في التعليم عن بُعد باستخدام التكنولوجيا الحديثة

التفاعل عن بعـد

يُعدُّ التفاعل (interaction) بين المُتعلِّم والمُعلِّم وبين المُتعلِّمين أنفسهم داخل حجرات الدراسة من أكثر الموضوعات التي استحوذت على اهتمام التربويين حيث أكدت الأبحاث على أهميته في إثارة دافعيه المُتعلِّم وتحسين نواتج التعلُّم عن طريق تحقيق العديد من مستويات الأهداف. ويعرف التفاعل بأنّه العمليَّة التي تحدث بين المُتعلِّم وبيئة التعلم
 (learning environment)، والتي يختار فيها المُتعلِّم دوراً أكثر إيجابيَّة. وتضم بيئة التعلُّم هذه في الغالب المُعلِّم، المُتعلِّمين ومحتوى الدراسة.

وبالنظر إلى طبيعة التعليم عن بُعد، نجد أن جزءاً كبيراً من التفاعل بين المُعلِّم والمُتعلِّم وبين المُتعلِّمين أنفسهم والذي يمكن أن يتم داخل حجرات الدراسة التقليديَّة يمكن أن يتأثر نظراً للفصل المكاني والزماني بين المُعلِّم والطلاب، كما أن اتجاهات الطلاب نحو جدوى عمليَّة التفاعل يمكن أن تتأثر سلباً كذلك.

فقد وجدت العديد من الدراسات أن المُتعلِّمين المقيدين في برامج للتعليم عن بُعد تدعم التفاعل داخل أفرادها وتُشجِّعه لديهم اتجاهات إيجابيَّة متنامية نحو البرنامج، معدلات إنجاز أكاديمي مرتفعة ونسبة تسرب أقل نسبياً مقارنة ببرامج أخرى لا تدعم التفاعل داخلها مما دعا العديد من علماء التعليم عن بُعد إلى اعتبار قدرة التكنولوجيا المُستخدَمة على تيسير عمليَّة تفاعل في اتجاهين بين المُعلِّم والمُتعلِّم من أهم الخواص التي يجب علي أساسها الاختيار والمفاضلة بين التكنولوجيا المُستخدَمة. وقد يرجع هذا إلى قدرة هذه تكنولوجيا الاتصال على تقريب المسافة المكانية بين الطرفين (المُعلِّم والمُتعلِّم)، وتوفير فرص أكبر لدعم المُتعلِّم وتوفير فرص ومجالات مُتنوِّعة للمناقشة والحوار.

وبصفة عامة فإنه يمكن تصنيف أنواع التفاعل في نوعين رئيسين

  • التفاعل الفردي Individual interaction)): وهو الذي يحدث بين المُتعلِّم والمحتوي التعليمي وكافة المصادر والمواد التعليميَّة.
  • التفاعل الاجتماعي Social interaction)): وهو الذي يحدث بين المُتعلِّم والأشخاص الآخرين في البرنامج بما فيهم المُعلِّم والمُتعلِّمين الآخرين.

وبالإضافة إلى ما سبق فإنه من المهم الإشارة إلى أن النوع الثاني من أنواع التفاعل (التفاعل الاجتماعي) يمكن أن يصنف إلى نوعين:

  • تفاعل اجتماعي مصغر في مجموعات صغيرة small groups))
  • تفاعل اجتماعي موسع في مجموعات كبيرة (large groups) ويتوقف استخدام أي من النّوعين على أهداف البرنامج وطبيعته. فإذا كان الهدف هو المناقشة وتبادل الخبرات، فإن المجموعات الكبيرة يمكن أن تكون مناسبة لذلك الغرض. أما إذا كان الهدف هو تنميَّة مهارات التعلُّم التعاوني وحل المشكلات، فإن المجموعات الصغيرة تكون أكثر ملاءمة.

ونظراً لأهمية التفاعل في برامج التعليم عن بُعد، فقد قدم مور ((Moore في عام (1989)
 إطاراً أكثر تحديداً يمكن من خلاله دراسة ووصف أنواع التفاعل، حيث وجد أن هناك ثلاثة أنواع من التفاعل يمكن أن تحدث في بيئة التعلُّم عن بُعد:

  1. تفاعل المُتعلِّم-المحتوى ((Learner-content interaction: وهو التفاعل الذي يحدث بين المُتعلِّم والمحتوى التعليمي والذي ينتج عنه تعديل في خبرة المُتعلِّم المعرفيَّة وفهمه.
  2. تفاعل المُتعلِّم، المُعلِّم(interaction Learner-instructor) :وهو الذي يحدث بين المُتعلِّم والمُعلِّم لدعم عمليَّة التعلُّم وتقويم أداء المُتعلِّم و حل ما يعترضه من مشكلات.
  3. تفاعل المُتعلِّم-المُتعلِّم (Learner-learner interaction): وهو الذي يحدث بين المُتعلِّم والمُتعلِّمين الآخرين في البرنامج نفسهوفي حضور أو غياب المُعلِّم.

وعلى الرّغم من دقة التصنيف السابق إلا أنه  وكما يرى هيلمان (Hillman) (1994) أغفل نوعاً هاماً من أنواع التفاعل وهو الذي يحدث بين المُتعلِّم وواجهة الاستخدام ((user-interface الوسيطة التي تمكن المُتعلِّم من التفاعل من خلالها مع المحتوى التعليمي. لذلك اقترح هيلمان نوعاً رابعاً من أنواع التفاعل أطلق عليه تفاعل المُتعلِّم واجهة المستخدم
 (learner-interface interaction). فعلى سبيل المثال، يتطلَّب كتابة رسالة نصية وإرسالها عبر البريد الإلكتروني تعامل المُتعلِّم مع واجهة استخدام رسومية
(graphical user interface) لنظام التشغيل وبرنامج معالجة وإرسال الرسالة الإلكترونيَّة. وبدون اكتساب المُتعلِّم لمهارات التفاعل مع واجهة المستخدم لا يمكنه المشاركة بإيجابيَّة في البرنامج التعليمي.

يتضح مما سبق أن الاستفادة من أنواع التفاعل السابقة في برامج التعليم عن بُعد يتطلَّب توفير التكنولوجيا المناسبة التي تدعم هذه الأنواع من التفاعل.

فعلى سبيل المثال، على الرّغم أنّه يمكن للمُتعلِّم التفاعل مع المحتوي التعليمي
(learner-content interaction) باستخدام أدوات وتكنولوجيا تقليديَّة كالمواد المطبوعة أو المسجلة صوتياً، فإنّ استخدام أنواع أخرى من التفاعل يتطلَّب استخدام تكنولوجيا اتصال تفاعليَّة ذات اتجاهين (two-way) كالمؤتمرات الصوتيَّة والفيديوية والويب.

هذا الاتصال التفاعلي ثنائي الاتجاه بين فردين أو أكثر يمكن أن يتم في التوقيت نفسه ولحظياً (آني synchronous)، كما يحدث باستخدام التليفون والمؤتمرات الفيديوية أو يتم بشكل مستقل عن توقيت الاتصال time-independent)) مؤجل (asynchronous)، كما يحدث باستخدام البريد الإلكتروني أو أشرطة الفيديو المسجلة.

وعلى الرّغم من التطوُّر التكنولوجي في مجال الاتصالات، فإن مجرد توفير هذه التكنولوجيا ليس كافياً، إذ لابد من دراسة واستخدام استراتيجيات وأنشطة مهارات التفاعل الفعَّال بين المُتعلِّم وبقية عناصر مجال التعلُّم لضمان استخدام فعَّال لهذه التكنولوجيا.

خصائص وسائط وتكنولوجيا التعليم عن بُعد

مما سبق يتضح أن نظم التعليم عن بُعد تعتمد بشكل كبير على استخدام وسائط نقل المعلومات وتكنولوجيا الاتصال لنقل المحتوي التعليمي إلى الطلّاب عن بعد. وفي هذا المجال يؤكد العديد من علماء التعليم عن بُعد على أهمية التمييز بين مصطلحي وسيط (medium)، تكنولوجيا technology)). حيث يعرف الوسيط بأنّه طريقة أو أكثر لتقديم المعرفة بالاستعانة بأسلوب أو أكثر من أساليب الاتصال.

هذا الوسيط يمكن أن يتم حمله وتوزيعه بأشكال مختلفة. فعلى سبيل المثال، يُعدُّ النص المكتوب أحد الوسائط المُستخدَمة لتقديم اللغة والاتصال بالآخرين. هذا النص المكتوب يمكن نقله باستخدام أشكال مختلفة كالكتاب المطبوع والأقراص المدمجة (تكنولوجيا).

وقد تعدَّدت محاولات دراسة ووصف وتصنيف خصائص وسائط وتكنولوجيا التعليم عن بُعد بداية من الكلمة المكتوبة المطبوعة ومروراً بالإذاعة والتلفزيون التعليميين، شرائط الفيديو التعليميَّة، الحقائب التعليميَّة، مؤتمرات الفيديو التعليميَّة، الأقمار الصناعيَّة، العروض المُتعدِّدة، الكمبيوتر وشبكات الاتصال. حيث يجمع الكثيرون على أنّ أهمّ ما يُميِّز تكنولوجيا التعليم عن بُعد هو قدرتها على توفير قناة اتصال (ذات اتجاه أو اتجاهين)، ونقل عروض الوسائط المُتعدِّدة، ودعم التعلُّم الجماعي والفردي، ودعم التعلُّم النشط من قِبَلِ المُتعلِّم، والسرعة، والمرونة، والوصول إلى عدد كبير من المُتعلِّمين عن بعد بالإضافة إلى التكلفة الفعَّالة.

نموذج آكشنس (ACTIONS Model)

من أبرز محاولات دراسة ووصف وسائط وتكنولوجيا التعليم عن بُعد تلك التي قدَّمها "بيتس" Bates)) عام (1995) في كتابه
(Technology, Open Learning and Distance Education) والذي اقترح فيه نموذجه المعروف باسم "نموذج آكشنس" (ACTIONS Model) للمساعدة على فهم وتحليل واختيار الوسائط والتكنولوجيا المناسبة للتعليم عن بُعد، حيث يرمز اسم النموذج (ACTIONS) إلى الحروف الأولى من الكلمات الآتية:

  • Access)) الوصول.
  • Costs)) التكلفة.
  • (Teaching & learning) التعليم و التعلم.
  • Interactivity & user-friendliness)) وسهولة الاستخدام التفاعل.
  • (Organisational issues) الأمور التنظيميَّة.
  • Novelty)) الابتكاريَّة.
  • Speed)) السرعة.

حيث تشير خاصية الوصول (Access) إلى قدرة التكنولوجيا المُستخدَمة
(متضمنة مصادر التعلم، المُعلِّم) على الوصول إلى المُتعلِّمين أو قدرة المُتعلِّمين على استقبال البرنامج التعليمي عبر التكنولوجيا المُستخدَمة. وهناك عدة عوامل ترتبط بهذه الخاصية كدرجة توافر التكنولوجيا وانتشارها في المجتمع، وسهولة وإمكانية استخدامها، وتوافق التكنولوجيا المُستخدَمة مع التكنولوجيا المتوافرة في البيئة المحليَّة (standardisation)، وإمكانية الاتصال بالمُعلِّم عن بعد وكذلك المستوى الاقتصادي والظروف السياسية السائدة.

فعلى سبيل المثال، يمكن للطلاب استقبال برامج التليفزيون التعليمي عبر الأقمار الصناعيَّة باستخدام الأطباق اللاقطة في كافة أنحاء العالم بصرف النظر عن أنظمة البث التلفزيوني المحليَّة والنظام التعليمي أو السياسي للدولة.

كما يمكن للمُتعلِّمين عن بعد استخدام الأقراص المدمجة (CD-ROM) والاتصال بالمُعلِّم عبر شبكة الإنترنت طالما توافر جهاز كمبيوتر مزود بمحرك أقراص مدمجة وإمكانات العروض المُتعدِّدة (multimedia) وبرامج مُكوَّنات الاتصال بشبكة الإنترنت عبر خطوط الهاتف المنزليَّة أو بطرائق أخرى. بينما قد لا يتمكَّن العديد من المُتعلِّمين استقبال هذه البرامج نفسها إذا استخدمت أنظمة بث أو أنظمة تشغيل لا تتوافق مع الأجهزة التي يمتلكها أو يستخدمها الطلاب.

كما تشير خاصية التكلفة (Costs) إلى التكلفة النسبية للتكنولوجيا المُستخدَمة مقارنة بالعائد من استخدامها ((cost-effectiveness والعوامل التي تؤثر في خفض أو رفع هذه التكلفة وتكلفة الوحدة التعليميَّة لكل مُتعلِّم (unit cost per learner). كما تشير خاصية "التعليم والتعلم" (Teaching & learning) إلى مدى قدرة التكنولوجيا المُستخدَمة على تحقيق أهداف البرنامج التعليميَّة، كنقل المحتوى العلمي بوضوح، وتوفير مواد ومصادر التعلم، وتوظيف أساليب التعلُّم المناسبة وحل مشكلات مرتبطة بإنجاز المُتعلِّمين. أما "التفاعل وسهولة الاستخدام"
 (Interactivity & user-friendliness) أو التفاعل وقابلية المستخدم للتكنولوجيا فتهتم بإمكانات وجودة التعلُّم التفاعلي المتوافرة في التكنولوجيا (تفاعل مع المحتوي، تفاعل مع الآلة، تفاعل مع المُعلِّم) وكذلك سهولة استخدامها وسرعته.

أما "الأمور التنظيميَّة" (Organisational issues) فتهتم بكيفيَّة استخدام وإدارة البرنامج التعليمي عبر التكنولوجيا المُستخدَمة، كأدوار المُعلِّمين والطلاب والعوامل التي يمكن أن تؤثر في نجاح أو إخفاق البرنامج التعليمي.

بينما تهتم خاصية "الابتكاريَّة" (Novelty) بعوامل التميز في التكنولوجيا المُستخدَمة وقدرتها على توفير حلول غير تقليديَّة لمشكلات المُتعلِّمين. أما الخاصية الأخيرة وهي "السرعة"
 (Speed) فتهتم بقدرة التكنولوجيا على المساعدة على تصميم وتطوير ونقل المواد التعليميَّة وتيسير التفاعل بين المُتعلِّمين والمُعلِّم بسرعة.

 

نموذج خواص الوسائط (Media Attributes Model)

اقترح سميس وديلون (Smith & Dillon) في عام (1999) إطاراً عاماً يهدف إلى وصف ومقارنة المُتغيِّرات والخصائص المختلفة لتكنولوجيا التعليم عن بُعد. ومما يُميِّز هذا النموذج اهتمامه بالخصائص المتطوِّرة للتكنولوجيا الحديثة وعلاقتها بتوفير بيئة تعليم أفضل. صنف سميس وديلون هذه الخصائص في ثلاث مجموعات:

  • Realism/bandwidth)) الواقعيَّة/السعة·
  • Feedback/interactivity)) التغذية الراجعة/التفاعليَّة.
  • Branching/interface)) التفرع/واجهة المستخدم.

تشير خاصية الواقعيَّة/السعة إلى مدي قدرة التكنولوجيا على تقديم خبرة تعلُّم مباشرة أو ملموسة وإلى كم المعلومات التي يمكن أن يحملها وينقلها إلى المُتعلِّم. ومن أمثلة الوسائط والتكنولوجيا التي تنتمي إلى هذه المجموعة الصور، والرسوم المُتحرِّكة، والأفلام ومؤتمرات الفيديو والتي يمكن أن تُقدِّم صوراً وأشكالاً واقعيَّة، وخبرة تعلُّم سريعة وغنيَّة.

وتشير خاصية التغذية الراجعة/التفاعليَّة إلى قدرة التكنولوجيا على تقديم الأسئلة والحصول على الإجابات من المُتعلِّم والقدرة على توفير التفاعل في اتجاهين (two-way) ما بين المُعلِّم والمُتعلِّم وبين المُتعلِّمين أنفسهم. ومن أمثلة الوسائط والتكنولوجيا المُستخدَمة في هذه المجموعة والتي تتوافر فيها هذه الخواص التليفون، والبريد الإلكتروني ومجموعات المناقشة عبر الإنترنت.

تمتاز هذه التكنولوجيا بالقدرة على تصحيح أخطاء المُتعلِّم عن بعد وتعزيز التعلُّم الناجح، والارتقاء بمستوى الفهم وتحقيق مستويات أهداف مُتقدِّمة (التحليل، حل المشكلات)، وتحفيز الطلاب إلى التعلُّم.

وتشير خاصية التفرغ واجهة المستخدم إلى قدرة المُتعلِّم على اختيار أسلوب أو مسار التعلُّم المناسب له في البرنامج وتوافر العديد من الاختيارات التي تسمح له بالتفاعل مع مصادر التعلُّم ومُكوَّنات التكنولوجيا المُستخدَمة. ومن أمثلة ذلك الأقراص المدمجة التفاعليَّة وشبكة الويب
 (World-Wide Web). وتستخدم تكنولوجيا هذه المجموعة في المواقف التي تتطلَّب تفريد عمليَّة التعلم، وتحكم المُتعلِّم في مسار عمليَّة التعلُّم وتشجيع المُتعلِّم على الاضطلاعبدور إيجابي ونشط.

وفي ضوء هذين النموذجين يتم تقويم بعض الوسائط والتكنولوجيا المُستخدَمة في بعض برامج التعليم عن بُعد للوقوف على نقاط القوة ونقاط الضعف فيها للاستفادة منها في الوصول إلى تصورٍ عامٍ للوسائط والتكنولوجيا المناسبة لبرامج التعليم عن بُعد.

 

د.علاء صادق

مُدرِّس تكنولوجيا التعليم، كليَّة التربية بقنا –جامعة جنوب -الوادي، مصر.