استراتيجية التقويم والدعم في المجال التربوي التعليمي

د.بنعيسى حسينات:

1ـ استراتيجية التقويم: مدخـــــل: يشكل التقويم البيداغوجي في العملية التعليمية التعلمية، ضمن المنهاج الدراسي، في إطار الديداكتيك العام، محور اهتمامات الفكر التربوي البيداغوجي المعاصر. ولقد أصبح في السنوات الأخيرة، يحتل مكانة بارزة في دائرة علوم التربية، يكاد يحتفل بحقل علمي خاص به، يتميز بموضوعه وأدواته المنهجية. وهذه الأهمية المتزايدة للتقويم في عصرنا، ترجع إلى عوامل خاصة، نذكر منها:



1. تطور الأنظمة التربوية في المجتمعات الحديثة والمعاصرة.

2. الاهتمام باقتصاديات التعليم وتنمية نتائجه في المجال التربوي.

3. تقدم تقنيات القياس وأساليب التقويم الكمي إلى الظواهر التربوية.

4. ارتباط التقدم الحضاري في المجتمعات المعاصرة بوظائف التقويم البيداغوجي.

 

  • مفهوم التقويم البيداغوجي:

.1.التقويم والقياس:
يفيد مصطلح التقويم في اللغة: "تقدير الشيء وتثمينه". ويفيد في المجال البيداغوجي: "إصدار حكم على مدى وصول العملية التعليمية إلى أهدافها وتحقيقها لأغراضها والكشف عن مختلف الموانع والمعيقات التي تحول دون الوصول إلى ذلك، واقتراح الوسائل المناسبة من أجل تلافي هذه الموانع".

بهذا المعنى، لا يبقى التقويم مجرد إصدار أحكام ذات قيمة على المتعلمين التي تتراوح بين الجودة والضعف، بل يكون التقويم مرادفا لقياس مستوى المتعلم ومردود يته. ولكنه عملية أشمل، تتعلق بصيرورة التعليم والتعلم، وإن كان البعض يعد التقويم قياسا، ذلك لأن القياس مجموعة من المثيرات نضبط بها بطريقة كمية، مجموع عمليات عقلية أو سمات نفسية... وتتحول النتائج المحصل عليها إلى قيم كمية وتسمى درجات.

وهكذا، نلاحظ أن مفهوم القياس في علاقته بالتقويم البيداغوجي لا يخرج عن كونه جزءاً لا يتجزأ من عملية التقويم. فالقياس يعطينا فكرة جزئية عن الشيء الذي يقاس، لأنه يتناول، حسب بلوم (Bloom)، الخصائص الموجودة لدى الأفراد، مثل الذكاء والقدرات الفكرية المختلفة... بينما يحاول التقويم، بمعناه الشمولي، أن يعطينا صورة عن جميع المعلومات التي لها علاقة بتقدم المتعلمين نحو الأهداف المتوخاة، سواء كانت هذه الأهداف عامة أم خاصة.

 

.2. التقويم والدوسيمولوجيا (Docimologie):

يقصد بهذا المفهوم، حسب بيرون(Pieron) ، في كتاباته السيكولوجية: "الدراسة النقدية والتجريبية لطرائق الامتحانات الكلاسيكية القائمة على اختبارات في شكلها الذاتي اللاعلمي". الشيء الذي يعبر عنه واقع التقويم في عدد من البلدان، ومنها المغرب، حيث لا يزال التقويم يهتم بالدرجة الأولى بالمتعلم. فإليه وحده ترجع مسؤولية النجاح أو الإخفاق والتقصير. لهذا، ظهرت عدة مساوئ كانت بمنزلة الحافز، لإعادة النظر في أهداف التقويم ووسائل القياس المستعملة. ونذكر من ذلك بعض العيوب والسلبيات، منها:

  • أنّ الامتحانات التقليدية لا تقيس سوى الجانب المعرفي والتحصيلي فقط من شخصية المتعلم، وتهمل الجوانب الأخرى.
  • تفرض سلطوية المدرس وطغيان الذاتية في التصحيح.
  • ينعدم فيها التقنين والموضوعية.
  • نشاط المتعلم موجه نحو النقطة بوصفها غاية.
  • التعامل مع المعرفة، تعاملاً منفعياً والارتباط بالآخرين، مما يؤدي إلى الغش والخداع.
  • انعدام الصدق والصلاحية والثبات.

إذاً، فالامتحانات التقليدية الكلاسيكية، تكرس بيداغوجية تعد متجاوزة، لأنّها مصدر توتر وقلق بالنسبة إلى المتعلمين وللأسرة معاً، لكونها يعوزها الصدق والثبات، وكذا الدقة والموضوعية.

.3. نحو مفهوم جديد للتقويم:

وهكذا، نخلص من هذه العلاقة الثنائية بين الدوسيمواوجيا والتقويم، إلى القول إنّ الدوسيمولوجيا، تقويم بشكل ضيق، يتم وفق عدة خصائص، أبرزها: الصدق والثبات وسهولة الاستخدام. في حين، يبقى التقويم عملية أشمل. إنه متعدد الموضوعات، ومتنوع العناصر، وشامل ومستمر، ويشخص ويصحح ويكون. ولقد بينت أنا بوندوار (Anna Bondoir) هذا المفهوم في قولها: "التقويم هو جمع معلومات ضرورية وكافية، تنتقى من بين مجموعة من الاختيارات لتتخذ قراراً، انطلاقاً من الأهداف التي حددنا". فالتقويم إذاً أكثر تعقيدا من الفعل البيداغوجي. وتحدد هذه الباحثة للتقويم، الأهداف الآتية:

  • القيام بجرد ما وصلنا إليه بالموازنة مع ما كنا ننتظره.
  • ضمان سير المتعلم نحو التطور المرغوب فيه عن طريق ضبط المراحل المتوالية التي يجتازها، واختبارها باستمرار.
  • التمكن من تحديد الوضعية الملائمة لمهام معينة، وتهيء متطلباتها ووسائلها، والقيام بالتصحيح خلال إنجاز هذه المهام.
  • تقويم العلاقة بين المدرس والمتعلم، كي نصحح دور كل منهما.
  • تقويم الشروط التي تتيحها لنا المؤسسة.
  • تقويم الكيفية التي يتم بها عدّ مكونات المحيط وكيفية توظيفها. وذلك من أجل استعمال متنوع لهذه المكونات.

فبناء على هذه الأهداف، يكون التقويم مفهوماً بيداغوجياً، يرتبط بالتعليم بوساطة الأهداف، وينصب على مكونات العملية التعليمية جميعها، من أهداف ومحتويات وطرائق ووسائل وأنشطة، إلى جانب التقويم ذاته. فهو إذاً شمولي، يتعلق بصيرورة التعليم والتعلم، كما أنه مستمر، لأنه ليس مرحلة نهائية، بل إنّ كل مرحلة من الدرس أو مجموعة من الدروس، يتم ضبطها وتصحيحها عن طريق تقويم، يتيح لنا إمكانية معرفة ثغرات التدريس وصعوباته.

من خلال ما سبق، نستخلص أن التقويم عملية أساسية، فهي تشكل العمود الفقري للعملية التربوية البيداغوجية. لأنه يؤدي إلى قرارات على مستوى إعادة النظر في أحد مكوناتها الأساسية. وذلك عن طريق الرجوع المستمر إلى الوراء، بوساطة التغذية الراجعة feed back))، واقتراح العلاج حينما يقتضي الأمر ذلك.

من هنا، نخلص إلى الحديث عن أهمية التقويم البيداغوجي الشامل المستمر التي تتجلى فيما يأتي:

.1. معرفة مستوى المتعلمين من خلال تدرجهم ومواكبتهم للعملية التعليمية حسب أهداف محددة.

.2. تفيد المدرس في صياغة الأهداف الملائمة واختيار المحتوى والطرائق والوسائل.

.3. تؤدي إلى تحسين المنهاج من نواحي القوة والضعف.

4. . تفيد المدرس في معرفة مدى تحقق الأهداف الإجرائية.

  • أنواع التقويم:

هناك عدة أنواع للتقويم. لكن، سنركز على أربعة منها، نظراً لأهميتها بالنسبة إلى صيرورة التعليم التعلم.

  1. التقويم التنبؤي (Evaluation prognostic): إن وظيفته، تهدف إلى قياس الحصيلة المعرفية والمهارات المتوافرة لدى المتعلمين، للتأكد من مدى استعدادهم من اتباع دراسة جديدة أو تخصص جديد (التوجيه).
  2. التقويم التشخيصي (Evaluation diagnostique): وهو إجراء عملي، نقوم به في بداية تعليم معين أو في بداية درس معين. ونقصد بإجراء عملي، أن المدرس والمتعلم ينجزان أعمالاً وأنشطة، الهدف منها، التأكد من مدى الاستعداد لفعل تعليمي جديد أو درس جديد. وبعبارة أخرى، أن هذا التقويم، يتعلق بأهداف المكتسبات السابقة (بداية الدرس).
  3. التقويم التكويني (Evaluation formative): ويكون في أثناء الدرس أو إثر انتهاء مرحلة من مراحل الدرس أو خلالها. ويهدف إلى اختبار كل من المدرس والمتعلم على مدى تحقق الإنجازات المرتقبة. كما يسعى إلى اكتشاف الصعوبات التي تعترض عملية التعليم والتعلم، من أجل اقتراح وسائل العلاج. وهذا التقويم، يتعلق بالأهداف الوسيطية في صيرورة العملية التعليمية التعلمية (خلال مراحل الدرس).
  4. التقويم الإجمالي (Evaluation summative): فحسب جيبون ألكا ( Alkin)، يكون إثر انتهاء كل درس أو وحدة دراسية، ويستخدم أيضا للحكم على نتائج من أجل اتخاذ قرار حوله، للاستمرار فيه أو إيقافه. أما بالنسبة إلى بلوم (Bloom)، فهو التقويم الذي يجري في نهاية البرنامج أو نهاية الفصل الدراسي. والغرض منه، هو معرفة المدى الذي حققه البرنامج في الوصول إلى الأهداف. ومن المعلوم أن هذا النوع يرتبط به الانتقال من مستوى دراسي إلى آخر أو منح الشهادة أو الأهلية لمزاولة عمل معين. كما أن هذا التقويم يمكن أن يؤدي وظيفة تنبؤية وتشخيصية في الوقت نفسه. فهو تقويم تنبؤي بالنسبة إلى التعليم المستقبلي، وتشخيصي أو تكويني بالنسبة إلى التعليم السابق، حيث يبين أوجه التقصير وحالات النجاح الملاحظ خلال الفترة التعليمية السابقة لإجرائه. إلا أننا نلاحظ للأسف، أن التقويم الإجمالي، كثيراً ما تقتصر وظيفته على تحديد الآثار المباشرة للتعليم في شكل مردود المتعلم.

 

  • أدوات التقويم:
    هي الأسئلة التي يطرحها المدرس على المتعلمين، كي يستطيع أن يستخرج معطيات عن تدريسه أو عن مستوى هؤلاء المتعلمين. ومن ثمة، فإن أدوات التقويم هي إجراءات عملية تتيح ما يأتي:
  1. تبين للمتعلم بوضوح، نوع الإنجازات التي سيقوم بها لكي يبرهن على بلوغ أهداف. ولذلك، فأدوات التقويم مستمدة من الأهداف الإجرائية التي تشير إلى إنجاز المتعلمين، وشروط ومعايير الإنجاز في وضعيات ملموسة وقابلة للقياس.
  2. تلائم طبيعة الأهداف المتوخاة من الدرس. فهناك أدوات ملائمة لاكتساب المعارف أو لاكتساب المهارات أو المواقف. وهذا يعني أن اقتراح الأدوات، ينبغي أن ينطلق من طبيعة الأهداف المراد بلوغها.
  3. يساير الأهمية النسبية للأهداف ومقاطع المحتوى، إذ من خلال هذه الأهمية، يمكن أن نحدد كثافة الأسئلة وموضوعها ومعايير التنقيط.

 

من هنا، يمكن تحديد أدوات التقويم فيما يأتي:

  • أسئلة الصحيح والخطأ، كالتي تتطلب الإجابة بنعم أو لا مثلا.
  • الأسئلة المذيلة بسلسلة من الاختيارات.
  • الأسئلة القائمة على ربط النظائر المتقابلة (المتطابقة).
  • ملء الفراغ...

بناء على هذه المعطيات، فإن العمل الذي سنقوم به، يتعلق بإدماج أدوات التقويم في سيرورة التعليم والتعلم ونوعية الأهداف التي خطّط الدرس لتحقيقها، وذلك عن طريق الإجراءات الآتية:

1. نحدد نوعية الأدوات التقويمية وفق طبيعة الأهداف الصنافية، على أساس أن هناك أدوات تلائم المعرفة أو الفهم أو التقويم...

2. ندمج الأدوات داخل سيرورة التعليم التي تشمل أهداف المكتسبات السابقة والأهداف الوسيطية، ثم الأهداف النهائية.

 

  • أسس عملية التقويم وعلاقتها بعملية التدريس:
    لتحديد قيمة هذه العملية التقويمية وبيداغوجيا وديداكتيكيا، يجب أن نلم بمكونات العملية التعليمية التي لا يمكن الاستغناء عنها في أثناء هذه العملية :
  1. المدرس :
  • أن يكون له استعداد كافٍ.
  • أن يعطي الأولوية للمادة، لأنها محور عملية التقويم.
  • أن يسهر على تنمية شخصية المتعلم، لأنه محور العملية التعليمية والتقويمية كلّها.
  • أن يكون عارفا بعلوم التربية، وخاصة، المبادئ التي تهم ديداكتيكية التقويم.
  • عليه أن يخفف من جو الرهبة والخوف والقلق والتشاؤم المرتبط بالامتحانات.
  • عليه أن يتمكن من فهم المادة الدراسية ومعرفة جيدة لجوانب السلوك الإنساني.

 

  1. المتعلم:
    على التقويم أن يشمل جميع جوانب النمو والخبرة لدى المتعلم، لأنه هو محور عملية التقويم. وأن هذا الأخير، سوف يكشف عن قوته أو ضعفه. لذلك وجب أن ينصب هذا التقويم على كل ما يتصل بالمتعلم وما يمتاز به في حالة التقويم.
  1. المادة:
    كي تكون العملية التعليمية تغذية راجعة (Feed back)، تمكن المتعلم من تعديل وإعادة تنظيم جهوده التعليمية. يجب على المدرس أن يقدم المادة التي هي الوسيلة التي تحقق عملية التقويم بشكل بيداغوجي سليم وواع، يخضع لشروط أو خصائص محددة هادفة.

 

  • خصائص أو شروط التقويم البيداغوجي الهادف:
    من الخصائص أو الشروط التي ينبغي العمل على توافرها، لكي يؤدي التقويم وظيفته، بناء وتنفيذاً وتطويراً، ما يأتي:
  • أن يكون صادقا أو صالحاً: بحيث يتم التوافق بين وسيلة القياس وبين ما نريد قياسه فعلا، وملاءمة الأسئلة للأهداف التعليمية.
  • أن يكون ثابتا: أي أن يكون في إمكان التقويم إعطاء نتائج منسجمة. الشيء الذي يضمن إتفاق المصححين على تقدير العلامة نفسها (النقطة).
  • أن يكون موضوعياً: أي استقلال نتائجه عن الأحكام الذاتية للمصحح. لأن ذلك يضعف درجة أمانة الامتحان ويقوي ثقة المتعلمين بطريقة التقويم.
  • أن يكون هادفا: بمعنى أن يتميز بأغراض تربوية واضحة محددة.
  • أن يكون ديموقراطياً: أي يقوم على أساس احترام شخصية المتعلم، بحيث يشارك في إدراك غاياته أو يعتمد على أساس مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين، حتى يتم إشراك الآخرين في بنائه.
  • أن يكون علمياً: بمعنى أن يكون صادقا وثابتا وموضوعيا، من أجل إصدار أحكام سليمة.
  • أن يكون اقتصادياً: أي الاقتصاد في النفقات والجهد والوقت، عكس الامتحانات التقليدية.
  • أن يكون مميزاً: بحيث يقوم على التمييز بين الأفراد والمستويات. وبذلك يتناول جوانب النمو والقدرات والمهارات، حتى يعين على اكتشاف المواهب والتعرف على نواحي الضعف ونواحي القوة.
  • أن يكون مستمراً: أي يتناول العملية التعليمية بجميع مكوناتها وأبعادها في ضوء واقع المتعلمين، ودراسة مختلف مراحل النمو العقلية والنفسية والاجتماعية، ودراسة المقررات والمناهج التعليمية.
  • أن يكون شاملاً: أي يهدف إلى معرفة الأهداف في شموليتها بقصد التشخيص والعلاج والوقاية والتحسين. أي أن يكون معتمدا على وسائل وأساليب متعددة. فالعملية التعليمية تتضمن جوانب الخبرة ومستوياتها، وتتضمن جوانب النمو وأهدافه المتنوعة. وهي في كل ذلك، تتطلب استخدام وسائل وأدوات متنوعة، لكي تعطي التصور الكامل والصورة الحقيقية لجميع هذه الأمور، دون أن تطمس بعضها أو تتجاهله.

 

2 ـ استراتيجية الدعم

مدخل:

تُعَدُّ ديداكتيكية الدعم البيداغوجي واحدة من أهم الديداكتيكيات المستحدثة في العملية التعليمية التعلمية، ضمن المنهاج الدراسي، والتي كانت نتيجة مراجعة هذه العملية. وتتجلى فيما يأتي:

  • ديداكتيكية الأهداف البيداغوجية التي أدت إلى تنظيم العمل ومنهجيته. وذلك بتحديدها لمستويات الأهداف وصنافاتها والوقوف على الأهداف السلوكية بشكل دقيق قابل للقياس والملاحظة.
  • ديداكتيكية التقويم البيداغوجي التي فتحت أمام المدرسين مجالاً جديداً للتقويم، يمكن بفضله اتباع أساليب وتقنيات، تكشف عن النتائج المراد الوصول إليها بشكل سليم.
  • وأخيرا ديداكتيكية الدعم البيداغوجي التي ترتكز في الأساس على الفوارق الفردية التي من الواجب مراعاتها بشكل حقيقي في الممارسة التعليمية التعلمية، بهدف إزالة الهوة بين الضعيف والقوي داخل الصف.

 

  • معنى الدعم البيداغوجية:
    منذ المنطلق، يجب التمييز بين الدعم البيداغوجي والبيداغوجية التعويضية (دروس التقوية). ذلك أن البيداغوجية التعويضية تعني دعما وتقوية منطلقين من المدرسة ليصلا إلى خارج المدرسة (البيت مثلا). وتهدف البيداغوجية التعويضية إلى تعويض أطفال الفئات الاجتماعية الدنيا، لما يشعرون به من حرمان ونقص وفوارق، ترجع في الأساس إلى انتماءاتهم الأسرية، وطمس الفوارق الموجودة بين قيم أسرهم وقيم المدرسة.
    أما ديداكتيكية الدعم البيداغوجي، فتتحدد في الأساس، في كونها مجموعة من الوسائل والتقنيات البيداغوجية التي تتبع داخل الصف أو خارجه، في شكل أنشطة وممارسات، بهدف تلافي ما قد يعترض المتعلمين من صعوبات معرفية على الخصوص، تحول دون إبراز القدرات الحقيقية والإمكانات الفعلية للمتعلمين.
    وتهدف هذه الديداكتيكية إلى خلق نوع من التجانس داخل عناصر الصف، وتجاوز كل أشكال التعثر والتأخر التي تعرقل سير عملية التعليم الطبيعي لدى المتعلم. وذلك بإعطائه فرصا لتدارك مجالات ضعفه. وكل ذلك من أجل إبعاد هذا المتعلم عن الرسوب والتخلف الدراسي.

 

  • أنواع الدعم:
    تختلف أنواع الدعم باختلاف الأهداف المراد تحقيقها. ومن أهم صور الدعم:
  1. الدعم النظامي والدعم التكميلي:
  • الدعم النظامي: يتم داخل المدرسة، وتشارك فيه الأطراف المعنية من مدرسين ومؤطرين واختصاصيين في التوجيه وعلم النفس المدرسي.
  • الدعم التكميلي: وهو ما تساهم فيه القطاعات الموازية، كالتعاون المدرسي والجمعيات (جمعية الآباء مثلا)، والإعلام المدرسي.
  1. الدعم الداخلي والدعم الخارجي:
  • الدعم الداخلي: هو ما يمكن أن يقدم من أنشطة داعمة داخل الصف، في مختلف الوحدات التعليمية وفق خطة مبرمجة بشكل دقيق. وذلك ما يمكن أن يقدم من أنشطة داعمة خلال الدرس، وبين فقراته أو عند نهاية مجموعة من المراحل.
  • الدعم الخارجي: هو ما يمكن أن يقدم من أنشطة وممارسات خارج الصف كأنشطة تكميلية ذات صلة بمحتوى الدرس أو من وحدات أخرى، في شكل دروس خاصة وأنشطة التقوية.
  1. الدعم الفوري والدعم المرحلي:
  • الدعم الفوري المستمر: يقوم هذا الدعم على تتبع العمليات والأنشطة التي يتضمنها الدرس، وتعيين الثغرات والتعثرات التي تعترض المتعلمين خلال تطبيقها فورا، لدعمها بشكل صريح ومباشر، وأحيانا بشكل ضمني، يتمثل عادة في مجموع الأنشطة التي يلجأ إليها المدرس بشكل آلي، كالإعادة والتكرار والتوضيح والتشخيص والتصحيح...
  • الدعم المرحلي: يتم عادة بعد تراكم عدد من المعارف والخبرات. أي بعد تقديم سلسلة من الدروس في مرحلة دراسية معينة. وهذا النوع من الدعم، يتطلّب تخطيطا محكما، يساعد على انتقاء عناصر برنامج تدعيمي وظيفي، يخدم، أولاً، الحالات المتعثرة، وهي المستهدفة، ثم يعمق، ثانيا، فعاليات الآخرين ويطور وينمي فهمهم.

 

  • عمليات الدعم:
    هناك مراحل يستند إليها الدعم في أنواعه المختلفة:
  • تشخيص المظاهر والسلوكات التي سيخضع لها الدعم على أساس أن يكون هذا التشخيص كاملا وشاملا لجميع مستويات الشخصية، المعرفي والوجداني والسلوكي (الحس حركي) ويعتمد التشخيص هنا على الملاحظة المستمرة، وهي الأساس في التعليم الأساسي، وكذلك التقويم بمختلف أنواعه.
  • حصر المظاهر السلوكية التي تدعو إلى إدخال أساليب الدعم، وذلك برصد مظاهر القصور والتعثر والنفور، كصعوبة الفهم وانعدام الدافعية وعدم القدرة على التركيز والانتباه...
  • تقرر طرائق الدعم وفق الأسباب التي نتج عنها التعثر، بناء على الإمكانات المتوافرة.

 

  • إجراءات عملية للدعم:
    يصعب وضع استراتيجية لتجاوز مختلف الثغرات. ولكن يجدر بنا ذكر بعض الإجراءات العملية الكفيلة برفع مستوى الدعم، وهي:
  1. العمل على تجاوز التلقين واللفظية، واعتماد تقنيات التنشيط.
  2. تكييف مراحل ومحتويات الدرس ومستويات الصف.
  3. تجاوز المواقف الوجدانية السلبية.
  4. خلق مواقف تعليمية وتذليل الصعوبات أمام المتعلمين المتعثرين في مواقف معينة.

 

استنتاج عام:

إنّ ديداكتيكية الدعم البيداغوجي عملية لازمة لتصحيح كل تعثر دراسي أبرزته ديداكتيكية التقويم، على الأقل في شكليه التكويني والإجمالي. ومن هنا يجب التأكد من أنه لا دعم بدون تقويم، فنوع الدعم وبناؤه وأساليبه، كلها عمليات تختلف حسب الوضع الذي يقدمه التقويم البيداغوجي. فالدعم بهذا المعنى، يجد موضوعه في تصحيح نتائج عملية التعثر الدراسي، على أساس عوامل متباينة لهذا التعثر، تتراوح بين الذاتي المرتبط بالشخصية، والسوسيو/ ثقافي والديداكتيكي. وتبعا لهذه العوامل واختلافاتها، تتحدد هوية الدعم البيداغوجي.

فالدعم البيداغوجي ليس مراجعة للدروس، وإنما هو بناء نسقي وخطة محكمة لتصحيح المسار الديداكتيكي البيداغوجي الذي اعتراه التعثر، فحال دون تحقيق أهدافه. إلا أنه ليس لصيقا بالمدرس، كما يعتقد البعض، وإنما هو إجراء يساهم فيه كل الشركاء، وخاصة المتعلم المتعثر، وجماعة الصف، إضافة إلى إسهامات الفعاليات الأخرى كالآباء وخبراء التربية وغيرهم.

وتبعا لهذا، يكون الدعم البيداغوجي درسا متكامل العناصر والمكونات، كأي درس آخر، متضمنا لكل مكونات العملية التعليمية التعلمية والعمليات الديداكتيكية، من أهداف ومحتويات وطرائق وأنشطة ووسائل وتقويم.

فبعد إجراء الدعم، لا يمكن أن نعتقد أن التعثر قد زال، إذ لا بد من تقويم هذا الدعم وحساب معدل التطور في تجاوز التعثر الدراسي، وإلا فإن الدعم هو نفسه متعثر، يجب إعادته في أشكال أخرى.

 

ــــــــــــ

مراجع التقويم الدعم:

ـ تحليل العملية التعليمية . محمد الدريج. منشورات مجلة الدراسات النفسية التربوية. 1983.

ـ كيف تدرس بواسطة الأهداف. عبد اللطيف الفارابي وعبد العزيز الغرضاف. سلسلة علوم التربية عدد: 2. 1989.

ـ بيداغوجية التقويم والدعم. عبد اللطيف الفارابي ومحمد أيت موحى. سلسلة علوم التربية. عدد: 6. 1991.

ـ الأهداف والتقويم في التربية. مادي لحسن. شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع. الرباط. 1990.

ـ التقويم الدراسي. أنواعه وتطبيقاته. مادي لحسن. شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع. الرباط. 1991.

ـ التقويم والدعم في برامج التعليم الأساسي. محمد أيت موحى. مجلة ديداكتيكا. عدد: 1. 1991.

ـ التقويم ودوره في تحسين الوظيفة التعليمية. محمد فتوحي. مجلة الدراسات النفسية التربوية. العدد الرابع. 1984.

ـ التقويم التربوي. أحمد ليسيكي والمحجوب بنسعيد. مجلة الدراسات النفسية التربوية. العدد العاشر. 1989.

ـ اتجاهات حديثة في بناء المناهج وتقويمها. ميلود أحبادو. مجلة الدراسات النفسية التربوية. العدد 13. 1992.

- Examen et docimologie. Pieron (H ). P.U.F. Paris. 1969.

- La docimologie. Bonboir (A ). P.U.F. Paris. 1972.

- Dictionnaire de l’évaluation et de la recherche en éducation. De Landsheere (A ). P.U.F. Paris.. 1979.

- L’évaluation en formation. Barbier. P.U.F. Paris. 1985.

- Evaluation scolaire et mesure. Cardinet (J ). Bruxelles De Boeck. 1986.

- Comment mesurer les résultats de l’ enseignement. Mager (R.F). Bordas.Paris. 1986.

عن مجلة المدرس االكترونية