استراتيجيات تعليمية للقرن الحادي والعشرين

ترجمة: عطية محمد العمري

 التغيير المنظم:

  • ماذا؟ ولماذا؟ يعرض تاريخ التعليم العديد من الأفكار العظيمة، ولكن يُكتَب لها الإخفاق عند التنفيذ. بعد ذلك تأتي إصلاحات جديدة تعطي أملاً في التغيير، ولكنها تموت أيضاً. وفي بعض الأحيان يكون السبب في إخفاقها وزوالها عدم ملاءمة النظرية للممارسة الجديدة. على سبيل المثال، يحدث هذا عادةً في مجال القراءة، عندما يتحول أحسن تدريب من تعليم للصوتيات إلى قراءة نظرية للصوتيات ومن ثم إلى مؤشرات المحتوى. وفي أحيان أخرى، يُعطَى القليل من الاهتمام لإعادة تدريب المدرسين، وليس هذا فحسب، بل حتى إن الابتكار يتوقف عندما يتم التركيز على النظرية مع إهمال تفاصيل التطبيق. في الوقت الحاضر تعاني الإدارة مشكلات ناتجة عن قلة استعمال أسلوب التطبيق العملي.

    فخلال السنوات الأخيرة من القرن العشرين، شجع التفكير المنظم في غير المتعلمين (مثل: و إدوارد ديمنج، ببيتر سينج، مايرون تريبوس)، المتعلمين على أن يُبينوا أهمية التغيير المنظم. وقد جاءت النتيجة بأن وكالات محلية للدراسة مثل: سكرتارية وكالات تحصيل المهارات الضرورية SANS))، ووكالات تمويل مثل: مؤسسة العلوم الوطنية (NSF)، وكذلك جمعيات مختصة مثل: مؤسسة تطوير المناهج (ASCD)، قد بدأت تؤكد على أن النظريات التعليمية تحتاج إلى تغيير بنائي مستمر.



  • التغيير المنظم في المدارس: النظرية وأحسن الممارسات للتغيير المنظم لم يتم تطبيقها فقط على المستوى الفدرالي وعلى مستوى الولاية، ولكن، وهذا أكثر أهميةً في كل من المنطقة التعليمية والمدرسة والصف والحصة (الدرس). وللتعريف والتحديد فإن التغيير التعليمي المنظم هو مخطط يشتمل على كل الجهود لإعادة تصميم نظام تعليمي يخلق فرصاً تساعد كل الطلبة لاكتساب مهارات على مدى الحياة. وعملية التصميم حتى في المدارس تمر بعملية التغيير. في البداية، مثلاً، فإن مجتمع المدرسة يؤسس المهارات والمعرفة التي يحتاج إليها الطلاب كثيراً في السنوات العشر القادمة. وفي وقت لاحق يقوم بتقويم المهارات والمواد التعليمية والمصادر الأخرى التي ستساعد الطلاب على اكتساب المهارات والمعرفة المطلوبة منهم. بعد ذلك يقوم بتحديد جدول للتطبيق وتفاعل الطلاب الإيجابي مع الصعوبات، والتقويمات لتطور مهارات الطلاب الرياضية (الحسابية). التطوير المهني الملائم والمواد المساندة يجب أن يتم تقديمها إلى المدرسين الذين تنقصهم المهارات والمعرفة المراد تدريسها. فيما بعد تقوم المدرسة بالتخطيط لاستراتيجيات اتصالاتها ولإعلام الأهل بالتغييرات في المنهاج وطرائق التدريس، ومن ثم تقويم التغييرات في برنامج الرياضيات، وبالطبع مع الربط بكل العناصر الأخرى في المنهاج.

 

هذا النموذج التغييري لا يحدث بسرعة، مثلاً كتغيير محتويات الرياضيات، حيث إن الجهود المنظمة تهتم برؤية عملية طويلة المدى لاحتياجات الطلاب، وبالتحديد: ما الذي يحتاج إلى تغيير في المجال التعليمي من أجل تحديد واضح للاحتياجات ووسائل تحقيقها بنجاح في تصورٍ متفقٍ عليه. والنقد الموجه إلى هذا النمط من التغيير التعليمي المنظم يشمل العناصر التالية:

  • التدريس في القرن الحادي والعشرين يجب أن يلائم التنوع والشمولية في حاجات المتعلم.
  • التغييرات في طرائق التدريس يجب أن يكون مركزها المتعلم.
  • التطوير المهني المستمر يجب أن يشمل المدرسين عبر المنهاج.
  • يجب أن يتم إعلام الأهل بالتغييرات وبنتائج جهود التغيير.

إن صورة الهدف تساعد على عرض مفهوم "المتعلم هو المحور" في التغيير المدرسي المنظم. إنها تعرض الأهمية النسبية للمكونات المختلفة للنظام المدرسي، وفي المركز (المحور) وفي أعلى قيمة للهدف يوجد المتعلم. وعندما يتم اتخاذ قرارات، فإن المتعلم يعطى الأهمية القصوى، مثلاً عندما تقرر إحدى المدارس تغيير الجدول المدرسي، فإن الموضوع الأكثر أهمية هو كيف تساعد هذه التغييرات الطلاب أو تعيقهم، وليس كيف تؤثر هذه القرارات في جدول الحافلات والمعلمين وأولياء الأمور. والهدف يزودنا أيضاً بصورة عن أولويات العوامل الأخرى التي تساعد على اتخاذ القرارات المدرسية.

 

هدف التغيير المنظم:

المدرسة المتمحورة حول المتعلم:

الانتقال من نموذج صناعة "نظام التجميع" في التعليم، والذي يغربل ويصنف ويحدد مستويات الطلاب، إلى نموذج التركيز على المتعلم، والذي يتجاوب مع احتياجات المتعلم، لن يحدث في يوم وليلة. وكما حدد مايكل فولان (1993): "عملية التغيير هذه ليست حدثاً يمر بك، وإنما هي رحلة، وأول خطوة في هذه الرحلة هي فهم طبيعة المدرسة المتمحورة حول المتعلم".

ومن أجل خلق ناجح للمدرسة المتمحورة حول المتعلم، لا بد من وجود جهد منظم للتغير يضم الهيئة التدريسية والإدارة والأهل والمجتمع على حد سواء، وكذلك رغبة المنطقة في تهيئة المشروعات والتدريبات حتى تصبح مصادر لرحلة التغيير. وفي المدرسة نفسها، يجب أن يحدث تغيير في جميع الأنشطة بما في ذلك الدروس اليومية، وكذلك تدخُّل الأهل، والعلاقة بين الهيئة التدريسية والإدارة. وتعتمد مكونات التغيير في خلق مدرسة متمحورة حول المتعلم على بعضها بعضاً. وعلى سبيل المثال، إذا اختارت الهيئة التدريسية استخدام التعلم التعاوني كوسيلة استراتيجية لخلق جو مرتكز على المتعلم، فهناك متطلبات للتطوير المهني للمعلمين وتغيير في التركيز على المنهاج، وكلاهما يحتاج إلى وقت غير موجود في الجدول اليومي، كإضافة أوقات للحصص من أجل إعطاء الطلاب الفرصة للتفكير في المفاهيم المهمة. وبينما يتغير الجدول وتتغير كذلك أنماط التعليم في الدرس، تزداد الحاجة إلى إلغاء اختياري لمواد زائدة، ولإعطاء مجال في وقت التخطيط للمعلمين، ولتغيير استراتيجيات التقويم حتى يُسمَح للطلاب بصورة أكبر بالحصول على تغذية راجعة وللقيام بنقاش معرفي، والاستمرار في إعادة تقويم المنهاج.

المدارس التي تتحرك باتجاه أن تصبح مدارس متمحورة حول المتعلم، لن تقوم بذلك بدون ثمن. أولاً: ستكون هناك مطالبة للمعلمين والأهل والطلاب والمجتمع حتى يغيروا نظرتهم إلى كيفية حدوث التعليم.

ثانياً: ستكون هناك حاجة إلى إعادة تخطيط الأدوار والمسؤوليات التقليدية، وكذلك تقسيم توزيع المال والوقت. مثل هذا التغيير الجوهري يتطلب تحولاً جوهرياً من العمل الفردي (مثلاً: مدرسون في صفوف معزولة، مديرون يصدرون قرارات فردية، أهل لا يعلمون بما يحدث) إلى وضع يكون فيه جميع أعضاء مجتمع المدرسة يعملون معاً وبتعاون داخل المدرسة وخارجها . وقد يبدو هذا عملاً سهلاً، ولكن التحول ليس إلّا تحدياً كبيراً للقوى الموجودة. إنه تماماً مثل التغيير من الفاشستية إلى النموذج الديمقراطي.

ولهذا السبب فإن إعادة التفكير في فلسفة وممارسة التطوير المهني هو أمر مهم جداً في رحلة التغيير هذه. وكما هو الحال في جميع المكونات الأخرى للجهد المنظم، فإن التطوير المهني لا يمكن أن يكون دفعة واحدة أوعشوائياً أومصادفةً أو جهداً منفرداً، ولكنه يجب أن يكون منظماً، ويبدأ من داخل المدرسة ويتحرك ليربطها باحتياجات المجتمع المحلي للمدرسة. ومن ثَمَّ فإن التطوير المهني المنظم يبدأ بتطوير المدرسة وأهداف المنطقة التعليمية من أجل أن تلتقي مع احتياجات التركيبة الفريدة لطلاب كل مدرسة على حدة.

 

المدرسة الفاعلة Mindful School)):

نموذج للتغيير المنظم:

المدارس التي تسعى إلى عملية ديمقراطية حقيقية، لديها حس عميق بالهدف المستقبلي والرؤيا المستقبلية، التي تحمل في طياتها كل من لهم علاقة بالتعليم. في المدارس الفاعلة تكون الرؤيا مركزة على الإيمان والاعتقاد بأن جو المدرسة يجب أن ينشِّط ويسهِّل النمو العقلاني لكل من له علاقة. وبهذه الطريقة تصبح المدرسة "ملاذاً للعقل". يقول آرست كوستا، وهو مبتدع وصاحب مفهوم المدرسة الفاعلة:

"في المدرسة التي هي ملاذ للعقل، يكمن إيمان دفين بأن جميع الناس يستمرون في تحديد وتطوير قدراتهم العقلانية في الحياة، حيث إن تعلم التفكير هو الهدف المشروع عند الخطر للمعاقين والمحرومين وحتى للمتحدثين بلغات أجنبية ما دام يمثل العطاء والموهبة، وإننا جميعاً نمتلك الإمكانية لأعظم إبداع للقوة العقلانية الخلاقة" (كوستا ، 1991 ، 4).

كذلك يقول كوستا إنّ الهدف من المدرسة الفاعلة استمرار الهيئة التدريسية في تعريف وتوضيح "تدريس التفكير". ولمساعدة الهيئة التدريسية على إنجاز هذا الهدف فإن فكرة "المدرسة ملاذ للعقل" قد انتشرت إلى شبكة المدارس الفاعلة. توفر شبكة المدارس الفاعلة طريقة تساعد الهيئات التدريسية على أن يتفاعل أفرادها فيما بينهم ولتتشارك في تقدمها لتسهيل التفكير في مدارسهم وصفوفهم، فهم يشجعون بعضهم بعضاً على الاستمرار في التقدم نحو المزيد من تمرينات التفكير. وقد وجِد مفهوم الشبكة ليوفر للمدارس الفرصة للتعاون والدعم. تُعلِّم المدارس طرائق متعددة للتعامل مع التحديات الكامنة في عملية التغيير عن طريق تقليد بعضها للبعض الآخر. وقد نجد أن الهيئات التدريسية تتشارك في تجارب متشابهة حتى يُصبح بعضها مصادر لبعضها الآخر في رحلة التغيير المنظم.

 

نموذج للتغيير المنظم:

المدارس التي تسعى إلى عملية ديمقراطية حقيقية، لديها حس عميق بالهدف المستقبلي والرؤيا المستقبلية، التي تحمل في طياتها كل من لهم علاقة بالتعليم. في المدارس الفاعلة تكون الرؤيا مركزة على الإيمان والاعتقاد بأن جو المدرسة يجب أن ينشِّط ويسهِّل النمو العقلاني لكل من له علاقة. وبهذه الطريقة تصبح المدرسة "ملاذاً للعقل". يقول آرست كوستا، وهو مبتدع وصاحب مفهوم المدرسة الفاعلة:

"في المدرسة التي هي ملاذ للعقل، يكمن إيمان دفين بأن جميع الناس يستمرون في تحديد وتطوير قدراتهم العقلانية في الحياة، حيث إن تعلم التفكير هو الهدف المشروع عند الخطر للمعاقين والمحرومين وحتى للمتحدثين بلغات أجنبية ما دام يمثل العطاء والموهبة، وإننا جميعاً نمتلك الإمكانية لأعظم إبداع للقوة العقلانية الخلاقة" (كوستا ، 1991 ، 4).

كذلك يقول كوستا إنّ الهدف من المدرسة الفاعلة استمرار الهيئة التدريسية في تعريف وتوضيح "تدريس التفكير". ولمساعدة الهيئة التدريسية على إنجاز هذا الهدف فإن فكرة "المدرسة ملاذ للعقل" قد انتشرت إلى شبكة المدارس الفاعلة. توفر شبكة المدارس الفاعلة طريقة تساعد الهيئات التدريسية على أن يتفاعل أفرادها فيما بينهم ولتتشارك في تقدمها لتسهيل التفكير في مدارسهم وصفوفهم، فهم يشجعون بعضهم بعضاً على الاستمرار في التقدم نحو المزيد من تمرينات التفكير. وقد وجِد مفهوم الشبكة ليوفر للمدارس الفرصة للتعاون والدعم. تُعلِّم المدارس طرائق متعددة للتعامل مع التحديات الكامنة في عملية التغيير عن طريق تقليد بعضها للبعض الآخر. وقد نجد أن الهيئات التدريسية تتشارك في تجارب متشابهة حتى يُصبح بعضها مصادر لبعضها الآخر في رحلة التغيير المنظم.

 

حتى تصبح مدرسة فاعلة:

قبل الإنطلاق في رحلة المدرسة الفاعلة، يحتاج المسافرون إلى معرفة إلى أين تقودهم هذه الرحلة، والهدف المحدد من الوصول إلى هناك. ويتكون الفريق المسافر من مدير المدرسة وكادر مدرسين مؤهل يريد أن يطبق الاستراتيجيات الموجودة في دليل الرحلة. هذه الاستراتيجيات مختارة من أحسن الممارسات الموجودة في البحث التعليمي والتي أثبتت نجاحاً كبيراً في المدارس التي استخدمتها (كوستا 1985). يتكون فريق الإدارة في محوره من المدير ولجنة من المدرسين المؤهلين. وهم ليسوا متعلمين فحسب، بل إنهم يعملون مسهِّلين ومحركين لمجتمعهم المدرسي باتجاه المدرسة الفاعلة.

تكون المدرسة مستعدة للبدء في الرحلة نحو المدرسة الفاعلة عندما يتم التزود بالمصادر الضرورية مثل: الأشخاص والوقت والمال. يعتمد نجاح هذه المغامرة على الالتزام من الأشخاص الذين لهم علاقة، ومن خلال الوقت المعطى لإنجاح وارتقاء التغيير المنظم، وكذلك هناك أولوية معطاة للمصادر المالية.

  1. الأشخاص:
    مفهوم المدرسة الفاعلة ليس نموذج تغيير من أعلى إلى أسفل. وعلى أية حال فمن الأمور الأساسية أن تعرف المدرسة بأنه يوجد دعم من المنطقة التعليمية لجهود التغيير. وعلى أقل تقدير فالمدرسة تحتاج إلى أن تعرف بأن مدير المنطقة التعليمية واعٍ لاحتياجات الرحلة، وأنه لن يعارض جهود المدرسة. وبصورة مثالية، فإن مدير المنطقة التعليمية له ظهوره وتأثيره، وهو الذي يدعم هذه الرحلة، وهو كذلك سيطلب معلومات دورية عن تقدم المدرسة. هذا الدعم الرئيس من المديرين هو البداية الإيجابية لجهود التغيير المنظم، وهو كذلك الذي سيؤكد للمسافرين بأن هذه الرحلة لم تذهب سدىً وليست سرية، بل إنها معترف بها ومدعومة.

    يؤدي المكتب المركزي للهيئة التدريسية دوراً رئيساً في تسهيل الجوانب المتطورة للرحلة. ويفهم أعضاء الهيئة التدريسية، الذين يعملون مع فريق إدارة المدرسة، الحاجة إلى مثل هذا التسهيل، ومنها مثلاً: إيجاد فترة للراحة والتنفيس للتدريب المهني المتطور، والحصول على مواد تدريبية، والتزويد بمكان للتدريب، والعمل على تنظيم المدرسين الاحتياطيين. وليس هذا فحسب، بل العمل مع المدير لتسليم أوراق العمل المطلوبة، والتأكد بأن التدريب المهني المتطور قد أخذ مكانه. إضافة إلى ذلك، فإن الهيئة التدريسية تعمل على تزويد المنطقة التعليمية بالمعلومات عن تقدم المدرسة.

    وبينما يكون من المهم إيجاد العمل المعترف به من مدير المنطقة التعليمية ، فإن أكثر دور فردي أساسي في نجاح المدرسة الواعية هو المدير. وبكونه عضواً في فريق قيادة المدرسة، فإن المدير يَحضُر جميع حلقات التطوير المهني، ويشارك في جميع عناصر التدريب. وفي هذا الإطار من المرجعية، يكون المدير قادراً على أن يتعاون من أجل أن يُبقي تركيز الهيئة التدريسية على الرؤية العملية للمدرسة، فهذه الرؤية تنشئ هدفاَ عاماً، ولكن في بعض الأحيان قد يحدث تشتت فكري متعدد يسيطر على انتباه الهيئة التدريسية، ومن ثَمَّ فإنهم يبتعدون عن الهدف المحدد. والمدير الذي لديه المهارات الاجتماعية، عليه أن يعمل مع الهيئة التدريسية لوضع الخطة الاستراتيجية، وعليه أيضاً أن يحول دون حدوث التشتت، وأن يُحضِر المهمات اليومية، وبهذا فإنه يصبح قائداً إيجابياً في رحلة المدرسة الفاعلة. وكذلك فإن المدير عليه أن يَحضُر المؤتمر الصيفي للشبكة مع فريق إدارة المدرسة. يساعد انعقاد المؤتمر على زيادة وتوثيق ارتباط الهيئة التدريسية والتزامهم رؤيا المدرسة. ومن ناحية أخرى، فإنه يعمل على تقوية دور المدير بوصفه قائداً للفريق ومسهلاً للعملية.

    وبغض النظر عن قوة المدير، فإنه لا يستطيع القيام بهذه الرحلة منفرداً، لأن التغيير المنظم يحتاج إلى فريق من المدرسين المهتمين، يشاركونه رؤيته، ويكونون على استعداد لتكبُّد المخاطر من أجل التطبيق. وعن طريق العمل مع المدير، يكون هذا الفريق مسؤولاً عن دمج التطوير المهني في الاستراتيجيات الخاصة بتدريسهم، والعمل على تطوير وتقويم الخطط التكتيكية. يبحث أعضاء الفريق المحوريين عن التطور المهني بعدّه وسيلة تساعدهم على العمل بطريقة أكثر فاعليةً مع الطلاب، وعلى إيجاد استراتيجيات تساعد الطلاب على أن يصبحوا ناقدين ومبدعين ومفكرين تفكيراً تأملياً.

    هؤلاء المدرسون، الذين هم أول من يطورون الخبرة في النظام التعليمي الجديد، لا يرغبون أيضاً في إشراك أقرانهم فيما تعلموه، لأنهم يصبحون خبراء في تطبيق الاستراتيجيات الجديدة عن طريق ممارستهم وتدريب زملائهم . وبما أنهم يصبحون ماهرين في توظيف النظريات الجديدة فإنهم يطبقون مهاراتهم هذه في الصف، وكذلك يشركون أقرانهم في الموضوع نفسه. وهم يدركون بأن مشاركة الأقران أسلوب مهم لجلب التغيير إلى الممارسة الصفية، وتوفير منهجٍ تعليميٍ ناجحٍ لجميع الطلاب.
  1. الوقت:
    تجد المدرسة الفاعلة طرائق فاعلة لإعادة تقسيم الوقت، حيث يوفر المدير وقتاً أسبوعياً مختصراً مدته ثلاثون دقيقة لاجتماع فريق الإدارة. يسمح هذا الاجتماع العادي لأعضاء الفريق بأن يتشاركوا في نجاحه ويراجعوا أهدافه، وأن يعالجوا الإحباطات الناتجة عن عدم نجاح الاستراتيجيات المستخدمة. فالزمن الأسبوعي المشترك يذكِّر الفريق بأنهم "جميعاً معا ً"، ويسمح لهم بتقويم كيفية تحسنهم، ومعرفة القضايا التي يجب مناقشتها في المرة القادمة. ويمكن لأعضاء الفريق أن يتحدثوا عن أهدافهم العامة، وأن يعبِّروا عن اهتماماتهم، وأن يقوموا بفحص حقيقي لتقدم كل واحد منهم، وأن يقوموا بتوثيق تقدم الفريق. بدون هذا الوقت المشترك يكون من الصعب العمل على الإبقاء على زخم الرحلة.

    توفر المدارس الفاعلة وقتاً للاجتماع بطرائق مختلفة. فمثلاً نجد في إحدى المدارس الفاعلة يُطلَب من الأهل إرسال أبنائهم كل يوم أربعاء الساعة 8:30 صباحاً بدلاً من الساعة 8:15 صباحاً، ويأتي فريق إدارة المدرسة للمدرسة الساعة 7:55 صباحاً بدلاً من الساعة 8:15 صباحاً، وبذلك يتمكن الأعضاء من الاجتماع خلال نصف ساعة كل أسبوع قبل بدء الدوام المدرسي. في مدارس أخرى نجد أنهم قد استأجروا أماكن محلية للعمل مع الطلاب خلال 45 دقيقة يوم الجمعة صباحاً، وبذلك تتمكن الهيئة التدريسية من الاجتماع والمناقشة. وبغض النظر عن ماهية المصادر التي تم توظيفها، فإن المدارس الفاعلة تدرك بأن هذا الاجتماع الأسبوعي أساسي في إنجاح رحلة المدرسة الفاعلة.

    هناك نوع آخر مطلوب من وقت المشاركة، ومن أجل نقل الخبرات الناجحة بين أعضاء الفريق القيادي، فأعضاء فريق القيادة هي في حاجة إلى أن يتشاركوا، وأن يقلد بعضهم بعضاً، وأن يدربوا أقرانهم على تطبيق الاستراتيجيات التعليمية والناقدة الجديدة. ويمكن أن يكون تقسيم الوقت اللازم لتدريب الأقران بطرائق مختلفة منها:
  1. اضطلاع المدير بإدارة الصف حتى يتمكن المعلم من ملاحظة استراتيجيات التدريس لدى زملائه.
  2. ترتيب الجدول المدرسي بحيث يوفر وقتاً للقاءات مجموعات الأقران لتبادل الخبرات فيما بينهم.
  3. إجراء مراجعات لتقويم الأقران.
  4. توفير مقاييس فردية وجماعية (على مستوى الفريق) ومدرسية للنجاح مثبتة في حقائب (logs) المشاركة.

في المدارس التي يكون فيها الوقت متوافراً أسبوعياُ لمشاركة الفريق الإداري ومشاركة المدرسين في الاستراتيجيات والتقنيات، يكون نجاح الرحلة واضحاً بصورة أكبر.

هناك وقت آخر يتم التزامه، وهو الوقت اللازم للاجتماع بعميل خارجي للمدرسة. مثلاً، مع منسق الشبكة، أو مع مهني التطوير للمنطقة، أو أعضاء من الهيئة التدريسية في الجامعة، أو معلم متقاعد، أو رجل أعمال محلي يوفر الدعم لاستمرار التحسينات. وبصورة مثالية، فإنه مهما كانت الوسائل الخارجية للدعم، فإن هذه الاجتماعات تأخذ مكانها بعيداً خلال أسبوع العمل المعتاد، وبذلك لا يتشتت فكر المدرسين والمدير. وعندما توافق دائرة التعليم على توظيف مدرسين احتياطيين، يتمكن المدرسون في رحلة المدرسة الفاعلة من تعلُّم أساليب تعزز مهاراتهم، وعن طريق هذه الخطوة فإن دائرة التعليم ترسل رسالة قوية مضمونها أنها تنظر إلى المدرسين بوصفهم مهنيين يجب أن يتدربوا خلال اليوم الدراسي العادي، وأن دائرة التعليم تدعم الاستراتيجيات والمناهج التي يتم تدريسها.

في إحدى مناطق المدرسة الفاعلة حدثت معضلة، حيث إن مدير المنطقة التعليمية أراد من جميع أعضاء الفريق الإداري للمنطقة أن يتدربوا، ولكن لأن المنطقة التي تتواجد فيها المدرسة صغيرة، فإن المدرسين الاحتياطيين لا يكفون حتى يتدرب الجميع في اليوم نفسه. ومن ثَمَّ قرر مدير المنطقة التعليمية أن يمدد كل جلسة تدريبية يوماً آخر حتى يتمكن الجميع من إنجاز تدريب صفوفهم فصولهم، وحتى يتمكن كل عضو من الفريق الإداري من التواصل مع التطوير المهني. هذا الحل الذي يتمثل في إضافة يوم آخر إلى كل جلسة تدريب، يرسل رسالة قوية تدل على الالتزام القوي لكل من المدرسين والمجتمع.

يوجد نوع آخر من التزام الوقت من أعضاء فريق الإدارة عندما يطبقون استراتيجياتهم الجديدة، حيث يعمل هؤلاء المدرسون على إعادة تقسيم الوقت عن طريق تغيير جداول صفوفهم، حتى يتمكنوا من التدريب وإعادة تحسين استراتيجياتهم. وبينما يعمل هؤلاء المدرسون مع طلابهم، يتعلمون تكييف توقعاتهم بالنسبة إلى الوقت، وكذلك يفهمون أنّه من أجل ترشيد تفاعل المجموعة، ومن أجل أن يحافظ الطلاب على مشاركتهم في العملية التعليمية، فإن ذلك يحتاج إلى وقت أطول من مجرد إعطائهم أوراق عمل بسيطة وتمرينات مستقلة.

وفي أثناء التعليم، وعند تطبيق أنواع عديدة من الاستراتيجيات، يبدأ المدرسون في الابتعاد عن الجدول الذي يحتاج إلى خمس وأربعين دقيقة للرياضيات، ومثلها للعلوم... إلخ. وبدلاً من ذلك يرى المدرسون حاجةً إلى دمج مفاهيم الرياضيات والعلوم. على سبيل المثال، يبقى الطلاب في درسٍ موحد مشاركين مدةً أطول. فالمدارس الفاعلة ترى أن الكفاءة تكون في الجدول بوصفها كتلة واحدة، بحيث يوفر الفرصة للطلاب ليتعلموا موضوعات معيَّنة بعمق. بعض المدارس الفاعلة تحولت إلى أربع حصص كل منها تسعون دقيقة، والبعض الآخر أعاد تقسيم الموضوعات، ومن ثَمَّ فإنه في أسبوع واحد يدرس الطلاب لغة وموضوعات متقاربة أيام الاثنين والأربعاء والجمعة، ويدرسون الرياضيات والعلوم يومي الثلاثاء والخميس، أما في الأسبوع التالي بعده فيتم تبديل الجدول. هذا المفهوم "الجدول الكتلة" يساعد طلاب المدرسة الفاعلة على أن يدرُسوا موضوعات متقاربة بعمق، وأن يتابعوا تطبيق المعلومات التي تعلموها.

3 ـ المال:
بالإضافة إلى الأشخاص والوقت، فإن الانطلاق في رحلة المدرسة الفاعلة يحتاج إلى التزام مالي أيضاً. فرسوم العضوية السنوية تخول المدرسة تنفيذ التطوير المهني في أحد عشر يوماً في السنة، مع الاتصال المستمر بمستشار الشبكة. هناك مصاريف أخرى تتضمن مثلاً مصاريف سفر الاستشاري إلى المنطقة التعليمية، والمواد التدريبية اللازمة، بالإضافة إلى مصاريف سفر فريق الإدارة إلى مؤتمر الصيف للشبكة، والمصاريف الشكلية للمؤتمر، والقاعة، واللجان خلال أسبوع المؤتمر.

تحتاج المنطقة التعليمية إلى أن يكون في الحسبان طول فترة الرحلة الذي يؤثر في التكلفة التي يتم إنفاقها على المساعدات السنوية والتسهيلات المقدمة من مستشار المدرسة الذي يدرك التصور العملي للمدرسة ويملك المصادر اللازمة لمساعدة المدرسة على إنجاز مهامها، بالموازنة مع فوائد المتحدث المثير للدافعية بالغ التكاليف والذي ياتي مصادفة ويذهب مصادفة ثم ينتهي كل شيء. يقدم نموذج المدرسة الفاعلة تطويراً مهنياً مستمراً طويل المدى يركز على التغييرات الإيجابية في البيئة المدرسية، ومن ثَمَّ فإن جميع الطلاب سيجربون النجاح الأكاديمي. تدرك المدارس الفعَّالة أن التطوير المهني الكبير الذي ينتقل إلى الصف، لا يحصل بمجرد توفير ساعة للنشاط بعد المدرسة في الأربعاء الثالث من كل شهر. فالتطوير المهني الفعال يبني نفسه كل يوم من أيام السنة الدراسية.

مكونات المدرسة الفاعلة:

تتشكل مكونات المدرسة الفاعلة من المنظمة المركزة، والمهنية في هيئتها، والاستراتيجيات المترابطة المستخدمة في الصف، والتصرفات التأملية لطلابها. تشمل هذه المكونات أيضاً التقويم المستمر لنجاحات الطلاب، وإنجاز أهداف المدرسة. فالمدرسون يخططون معاً ، ويدرب بعضهم بعضاً، ويعملون أيضاً مع طلابهم في مشروعات طويلة المدى. بالإضافة إلى هذا، فإنه يتم تشجيعهم على تطوير مهارات القيادة لديهم، من أجل أن تمتلك المدرسة مصادر داخلية لاستمرار تطوير التخطيط التكتيكي.

 

  1. التنظيم (المنظمة):
    تدرك العديد من المدارس أنها في حاجة إلى التغيير، وأنهم يجب أن يتوقفوا عن القيام بالأعمال المعتادة. هذه هي قضية "أن الأشياء تحتاج بطريقة أو بأخرى إلى أن تكون مختلفة"، وهذا الأمر يجب أن يُفهَم أولاً وبينما يتطلع المدير والهيئة التدريسية إلى التغير، تتكون لديهم فكرة عامة عن الأشياء التي يريدونها أن تتغير وتصبح مختلفة. في أثناء ذلك يسمعون كلمات طنانة مثل: "الحقائب"، "تقويمات حقيقية"، "الصف المتمحور حول المتعلم"، ويؤمنون بأن هذه العناصر بطريقةٍ ما، يجب أن تكون جزءاً من جهود التغيير. ويبقى السؤال المتمثل في كيفية فهم هذه المصطلحات، وهل هي مفيدة، وكيفية جعلها موجودة وحقيقية.

    أول خطوة من أجل التمهيد لرحلة المدرسة الفاعلة تتمثل في إيجاد خطة تكتيكية للمدرسة من أجل التغيير. يكون التخطيط التمهيدي خلال يومين عن طريق جلسات مكثفة للهيئة التدريسية في المدرسة الفاعلة. ويبني المدير وفريقه القيادي (أو الهيئة التدريسية المنتقاة) المكونات العملية لتصورهم للمدرسة، ويضعون في حسبانهم العقبات الحقيقية التي تحول دون تنفيذ وتطبيق تصورهم، ويحددون الاستراتيجيات المطلوبة للتغلب على هذه العقبات، وينفذون التصور المتفق عليه.

    المكونات العملية لتصور الخطة التكتيكية هي التي تشكل أهداف المدرسة. ولأن فريق الإدارة قد حدد ووافق على عناصر هذا التصور، فإنه من السهل جداً التأكيد بأن ما يحدث في المدرسة هو نتاج هذه الأهداف. على سبيل المثال، قضايا مشاركة الهيئة التدريسية، وتخطيط الهيئة التدريسية للوقت، ووضع الجدول المدرسي، ومحتوى المنهاج، كل ذلك يتم تحديده تحت محتويات الأهداف التي وضعت لكل عنصر من هذا التصور العملي.

    وليس فقط وضع الأهداف، بل إن الخطة التكتيكية تحتوي أيضاً على استراتيجيات التطبيق. يراجِع استشاري المدرسة الفاعلة بصورة دورية مع الفريق كيفية تطبيق عناصر التصور وتقدمها. وكذلك يقوم بتقديم اقتراحات لإضافة استراتيجات جديدة إذا اقتضت الضرورة ذلك. وتتم أيضاً مراجعة الخطة التكتيكية خلال المؤتمر الصيفي مع استشاري المنطقة التعليمية للمدرسة. خلال هذا الوقت تقدَّم قرارات أخرى للتنفيذ في السنة القادمة.

    وتخدم الخطة التكتيكية برنامج عمل المدرسة من أجل التغيير، وبما أنه برنامج عمل، فإن الخطة تراجَع وتُنَقَّح باستمرار، فهذه وثيقة مفتوحة دائماً للنقاش والتغيير كلما رأى فريق الإدارة الحاجة إلى ذلك. يعمل مستشار المدرسة الفاعلة مع فريق الإدارة لتقويم التغييرات التي تحدث، والمساعدة التي تعمل على استمرار التركيز على أهداف المدرسة.
  1. الصف الفاعل:
    مركز المدرسة الفاعلة هو المتعلم. ويتطلب هذا التركيز تغييراً كبيراً في نموذج الصف التقليدي والذي يتمثل في "حكيم على المسرح". فالمدرس ليس هو النقطة المركزية في الصف المتمحور حول المتعلم، إنما هو المسهِّل والمرشد. والتطوير المهني الكبير مكرَّس في المدرسة الفاعلة حتى يوفر للمدرس ذخيرة من الاستراتيجيات التي تدمج الطلاب في تعليمهم وتطور قدراتهم المعرفية.

    أحد الأسباب التي جعلت المدارس الفاعلة يتم تفويضها طيلة مدة ثلاث سنوات على الأقل لكي تتم عملية الشبكة، وأن يتمكن الأساتذة من إغناء مهاراتهم التدريسية. في أثناء السنة الدراسية الأولى يتم التدريب عند الطلاب على الاستراتيجيات التدريسية. فالمدرسون يتدربون على الاستراتيجيات، وعليهم أن يُحضِروا ما تعلموه في الجلسة التالية. وبعدها يقوم المدرسون أيضاً بتعلم كيفية استعمال نموذج معرفي تعاوني للتأكيد على أن جميع الطلاب يفهمون محتوى المنهاج. كما يقضي المدرسون وقتاً يتعلمون فيه أشياء عن التطوير والتدريب وتقويم الدروس التي توظِّف ذكاء الطلاب.

    وكلما زاد استخدام المدرسين لهذه الاستراتيجيات، أصبحت المدرسة أكثر فاعليةً وتعليماً. وبينما يبدأ الطلاب في إظهار ما يعرفون، تبدأ أساليب تقويمهم في التغير. وفي السنة الثانية من رحلة المدرسة الفاعلة يتعلم المدرسون أساليب أخرى لتقويم تعلم الطلاب. تقود نظريات بديلة إلى التقويم، وبشكل طبيعي، إلى خلق منهاج شامل، حيث يعمل المدرسون معاً على إيجاد وحدات تعليمية مترابطة تعتمد على معالجة المشكلات وتأسيس المشروعات.

    وبينما يعمل المدرسون معاً، تظهر مجموعة أخرى من المهارات، فهم يصبحون مدرِّبين لأقرانهم. وعن طريق المشاركة في توليد محتوى المنهاج، يرى المدرسون قوة بعضهم، ويدعمونها عن طريق تعاونهم معاً. فتدريب الأقران يتطلب وقتاً للمشاركة ووقتاً عن الحديث المهني عن القوة المهنية، ووقتاً لتشجيع بعضهم بعضاً من أجل أن يجربوا أحسن التدريبات.

    أهم تغيير يحدث في صف المدرسة الفاعلة يكون في المنهاج، وذلك عندما يتمحور الصف حول المتعلم، على تحليل المعلومات وليس حفظها، ومن هنا تحدث النقطة الجوهرية في دمج الطلاب. ومن أجل أن تكون هذه الخطوة عملية ناجحة للطلاب، ومن أجل أن يُذَوِّت الطلاب المعلومات (يجعلونها ذاتية)، تحتاج هذه المعلومات إلى أن تُعرَض في محتوى له معنى. على سبيل المثال ، يجب أن ترتكز قائمة المعاني على الوحدة الأساسية التي دُرست، وليس على كتاب تهجئة خارجي.

    خلق فكر يثير المدرسين لعمل وحدات أساسية يحتاج إلى الوقت، ويحتاج المدرسون وقتاً ليخططوا لكيفية إيجاد وحدات مترابطة. فإذا كانت المعلومات غير مترابطة، ولا تبلور الأهداف الموجودة في التصور العملي، ولا تدمج الطلاب في تفكير خلاق وناقد، فإنه لن يكون للنشاط أية فائدة. فالصف في المدرسة الفاعلة يحدد المنهاج في ظل شمولية كبيرة وموحدة لوجهة النظر التي تتعلق بجميع الطلاب. ويقضي المدرسون جزءاً أساسياً من السنة الرابعة في الشبكة في تقويم ماهية المعلومات المترابطة للطلاب في مرحلة معينة، وخلق وحدات ذات معنى للدراسة تؤدي إلى المعرفة المفاهيمية للطلاب.
  1. التلميذ الفاعل:
    حدد كوستا (1991) في بحثه عن التفكير الناقد أربعة عشر سلوكاً أظهرها الأشخاص الأذكياء. وهذه السلوكيات هي:
  • المثابرة.
  • قلة التهور.
  • تركيز الإصغاء.
  • التفكير التعاوني.
  • التفكير المرن.
  • المعرفة الواعية لقدراته التفكيرية.
  • دقة الفكرة ودقة اللغة.
  • روح الدعابة.
  • الاستفسار وطرح المشكلة.
  • البناء على المعرفة السابقة للاستفادة منها في المواقف الجديدة.
  • المجازفة.
  • توظيف كل الملَكات مثل العبقرية والأصالة وعمق النظر والدهشة والفضولية.
  • حب الاستطلاع.
  • الاستمتاع في حل المشكلات.

وأحد أهم التوقعات من شبكة المدارس الواعية أن تشجع ممارساتها الصفية تطوير هذه السلوكيات عند كل من طلابها وهيئتها التدريسية.

صُمِّمت أنشطة الصف لتشجع الطلاب على أن يكونوا محللين ومحترفين في حل المشكلات. فعلى سبيل المثال يستخدم الطلاب نظاماً غنياً جداً بالمصادر للتعامل مع المشكلات من خلال الموضوعات المترابطة. وهم يدركون أنه لا الكتاب ولا حتى المعلم هما المصادر الوحيدة للمعلومات، ويشجع المدرسون الطلاب على البحث عن أكثر الحلول ملاءمةً، وعلى أن يفسروا لماذا كانت هذه الحلول ملائمة، وذلك باستخدام لغة ومصطلحات دقيقة.

في المدرسة الفاعلة يعبر الطلاب عن قراراتهم النهائية بعبارات مثل: "أنا توصلت إلى هذا الاستنتاج لأن..." تشجع هذه التعبيرات الطلاب على إجراء ارتباطات، وذلك لكي يدركوا أيَّاً من المعلومات التي يعرفونها يتناسب مع المفاهيم الجديدة التي يتعلمونها. ويستخدم الطالب الفاعل الصحف وحقائب التفكير لشحذ مهارات التساؤل وطرح المشكلات والتفكير العميق.

الاستراتيجية الأساسية في مساعدة الطلاب على تطوير مهارات التساؤل لديهم تصبح منعكسة عليهم من خلال طريقة التعلم التعاوني. وفي أغلب الأحيان يساء فهم هذه الطريقة ويتم تعليمها بطريقة سطحية، ولكنها تؤدي إلى علاقة إيجابية وتعاونية بين الطلاب والمعلمين حينما تستخدم بطريقة فاعلة. إن تفاعلات المجموعة الإيجابية توفّر لنا بيئة خالية من المخاطر وتشجع الطلاب على اكتشاف البدائل بدون توجيه أقوال عقابية لهم مثل: "أنت مخطئ"، "ومن الممكن أن تصبح أسوأ"، لو قلنا "يالها من فكرة عقيمة". تدعو التفاعلات الإيجابية بين الطلاب في اكتشاف الموضوعات المترابطة معاً إلى إيجاد مساحة كبيرة من الاكتشاف يتعلم منها الطالب. وبينما يرغب الطلاب في المشاركة واكتشاف المعلومات، يستطيع المدرسون توجيه الأنشطة نحو اتجاهات أكثر نقديةً وإبداعيةً. مثلاً يسأل المدرسون مجموعات الطلاب لكي يكتشفوا أسئلة مثل: لماذا؟ إلى أي مدى؟ ماذا لو؟ فيتعلم الطلاب كيف يزيدون في قدراتهم على التعليل وحل المشكلات واتخاذ القرارات.

ويتم تشجيع الطلاب الفاعلين لكي يكونوا فضوليين، وأن ينقلوا ما تعلموه من أنشطة تشاركية إلى مواقف خارج الصف، فهم مستعدون لقبول التحدي للقيام بعمل ما هو مطروح عليهم في أوراق العمل البيتية. يتطلب العمل على صورة لعب من الطلاب الفاعلين أن يعملوا معاً وأن يتشاركوا في المعلومات خارج غرفة الصف، مثل: طرح وإجابة الأسئلة، ومقابلات لأفراد العائلة، أو قراءة كتاب أو جريدة لشخص عجوز. يبحث الطلاب الفاعلون عن الترابط بين المفاهيم والأنشطة في المدرسة والمنزل، ويطورون حسَّاً عالياً من تقدير الذات، لأنهم يرون أن هناك علاقة بين ما مارسوه في الصف وما وجدوه في العالم المحيط بهم.

  1. التطوير المهني الفاعل:
    توجد في المدرسة الفاعلة العديد من الفرص للتطور المهني والمساعدة. تحدد كل شبكة مدارس أحد عشر يوماً للتطوير المهني سنوياً. تُوَفَّر ستة أيام في المدرسة موزعة خلال السنة الدراسية، وهناك خمسة أيام إضافية للتطوير المهني المكثف للهيئة التدريسية في المؤتمر الصيفي السنوي. وفي هذا المؤتمر توجد لدى فرق الإدارة الفرص للعمل معاً بصورة مكثفة مع التركيز على مبادئ التعلم، والتعليم الإدراكي، والتفاعل التعاوني الذي يضع الأساس للخطة التكتيكية للسنة القادمة. وهم يكتشفون هذه الأفكار من محيط منطقة مدرستهم، ويسمعون كيف أن فِرَقاً مدرسية أخرى تجرب الأفكار نفسها، ويهتم أفراد الفرق بكيف يمكن أن يكونوا أكثر مرونة في أساليبهم وذلك لخلق بيئة مدرسية فاعلة، وكيف يوفرون وقتاً أطول للتفاعل، وأي موضوعات المنهاج تحتاج إلى أن تكون مطلوبة، وكيف يحدث كل ذلك. وبذلك يصبح الأسبوع وقتاً إيجابياً وتفاعلاً مستمراً بين أعضاء الفريق ومستشار المدرسة الفاعلة. فهذا الأسبوع يحتفل بالخطوات التي قام بها الفريق خلال السنة من أجل الوصول إلى المدرسة الفاعلة. وتعيش الفرق شعور ابتهاج واعتزاز بالإنجاز والتقدير للجهود المبذولة لخلق مدرستهم الفاعلة الخاصة بهم.
    بالإضافة إلى أيام التطوير المهني التي سبق التخطيط لها، فإن جدول المدرسة الفاعلة يوفر وقتاً للتطوير المهني من خلال الجدول اليومي العادي للمدرسة. على سبيل المثال، يعمل المدرسون في المدرسة الفاعلة معاً لتحسين تنفيذ الدروس. وكلما أصبحت الدروس أكثر تركيزاً، رأى المدرسون حاجة أكبر إلى إيجاد وحدات مترابطة في المنهاج يعتمد بعضها بعضها الآخر. وبمجرد أن يقترب الطالب من التعرف على المواهب المختلفة لصفوفهم، يتعلم المدرسون أيضاً أن يتعرفوا مهارات أقرانهم، وأن يطوروا شعوراً حقيقياً بالزمالة بين أعضاء الهيئة التدريسية.

 

تقويم وتوثيق تطور المدرسة الفاعلة:

تحتفظ المدرسة الفاعلة برؤيتها العملية والاستراتيجيات التي توظفها لجعل هذه الرؤية حقيقة في مقدمة عملها اليومي. وللوصول إلى هذه النتيجة تحتفظ المدرسة الفاعلة بحقيقة تؤرخ فيها نجاح رحلتها. وتشمل هذه الحقيبة معلومات وملاحظات عن الطلاب، والمدرسين، ومشاركة الأهل والمجتمع، والتقدم باتجاه تحقيق الأهداف المحددة في التصور العملي والخطة التكتيكية.

1 ـ تقويم الطلاب:

تحتفظ المدارس بمعلومات كثيرة عن الطلاب في ملفات. فمثلاً تحتفظ معظم المدارس بسجلات شهرية عن كل من: الحضور للمدرسة، والتأديب المحول إلى مكتب المدير، والمؤتمر التأديبي مع الأهل، والتوقيف... إلخ . وكذلك تحتفظ المدارس بعلامات موحدة للامتحانات. وعموماً فإن مصادر المعلومات هذه المحتَفَظ بها تعمل بوصفها دليلاً كمياً للمدرسة عندما تنضم إلى شبكة المدارس الفاعلة. وتتضمن المؤشرات الكمية لتقدم الطالب ما يأتي:

  1. قوائم الملاحظات.
  2. بطاقات الحكايات.
  3. التقويم الشخصي للطالب.
  4. تقويمات الأداء والعرض.
  5. خواطر الطالب.
  6. ملاحظات الأهل.

إن قوائم الملاحظات وبطاقات الحكايات توثق تقدم الطالب. وتساعد ملاحظات المدرس خلال العام الدراسي كلاً من الطالب والأهل على رؤية النمو والتقدم الفردي. هذه الوثائق تسيطر على التقدم التطوري وتساعد الطلاب على فهم ما هو متوقع منهم عندما يتفاعلون مع أقرانهم. وهذه الملاحظات تعد طريقة لتوثيق التغييرات الإيجابية في مهارات الطلاب الإيجابية والفكرية، وهي كذلك تعطي صورة عن نمو الطالب في الأربعة عشر سلوكاً التي حددها كوستا.

                          

وكما سبق أن ذكرنا، فإن تطور الطلاب في هذه السلوكيات الذكية هي هدف أساسي في المدرسة الفاعلة. وتختار المدرسة الفاعلة ثلاثة أو أربعة سلوكيات، وتقوم بجهود حثيثة من أجل توفير الفرص للطلاب لامتلاكها. يشجع المدرسون الطلاب على أن يعرفوا كيف تظهر هذه السلوكيات. ونتيجة لذلك يتعلم الطلاب أن يتقبل بعضهم بعضاً ويتمتعوا معاً، وأن يعملوا بإيجابية، وأن يتحملوا مسؤولية تنشيط بعضهم بعضاً داخل الصف وخارجه.

ملاحظات المدرسين يشارك فيها أيضاً المدرسون، وهذا يمنح الطلاب فرصة للتأمل الذاتي. كأن يقول المعلم للطالب مثلاً: "كيف تعتقد بأنني قوَّمتك؟"، ومن ثَمَّ فإن الطالب سيتأمل تصرفه ويقرر مدى ملاءمته. يُسأل الطلاب أيضاً أن يقوِّموا أنفسهم في صحف للتأمل الذاتي مثل: "الذي مضى بصورة جيدة في مجموعتي هذا اليوم كان... "، "مساهمة مجموعتي كانت... ". الهدف من التأمل الذاتي هو مساعدة الطلاب على أن يروا أنهم يتحملون المسؤولية عن المجموعة وعن تعلُّمها.

وفي المدرسة الفاعلة تعد مستندات الطالب طريقة ثمينة لتقويم الطالب. وتسمح هذه المستندات للطلاب بأن يتشاركوا في تطوير المهارة التي لا يمكن توضيحها في الاختبار القياسي. ويختار الطالب والمعلم معاً إنتاجات مثل: كتابة نماذج، أو قراءة مقتطفات من شريط، أو اندماج المجموعات وتفاعلها، أو رسومات، أو مسائل رياضية، وكذلك عروض لأحسن عمل لكل طالب. وبذلك تصبح المستندات تأريخاً لتطور مهارات كل طالب خلال العام الدراسي، كما أنها توفر فرصة أخرى للطلاب للتقويم الذاتي، وتجعلهم أكثر ارتباطاً بِلُبِّ عملية التعلم.

عندما يصبح المنهاج حلاً للمشكلات وعلى أساس المشروعات، يمكن تقويم الطلاب من خلال العرض. مثلاً، يعمل الطلاب في مشروعٍ ما، وبعد انتهائه يقدمون عرضاً لما تعلموه. هذا المشروع يستلزم مشاركة يدوية ونشاطاً ناضجاً، وعند اكتماله يوضح الطلاب ما قد تعلموه. فالمعرفة الذاتية للتعلم أو الإدراك تساعد الطلبة على زيادة تقدير قوتهم، ويعملون بثقة أكبر. وبذلك يسود الصف اتجاهات إيجابية، ويُخلق جو مشجع على نجاح الطالب.

من الممكن أيضاً أن يظهر نجاح الطالب من خلال مقابلات ومؤتمرات. هذه النظريات التقويمية تشجع الطلاب على أن يبرزوا القوى التي يملكونها من خلال نشاطٍ ما، وأن يعرفوا ويحددوا المناطق التي يرغبون في العمل فيها، من أجل أن يصبحوا فرقاً أفضل.

تقويم المدرسين:

ربما تكون أسهل طريقة لتوثيق نجاح المدرسة في رحلة المدرسة الفاعلة هو تحديد عدد المدرسين الذين يستخدمون بفاعلية الاستراتيجيات ومعدل الوقت الذي يستخدمونه. وليس من المستغرب أن تسمع مديري المدارس الفاعلة يقولون: "في السنة الماضية كان هناك مدرس واحد أو اثنان يستخدمان هذه الطرائق، واليوم أرى هذه الاستراتيجيات تستخدم في كل صفوفنا".

من أجل أن تصبح المدرسة مدرسة فاعلة بجب أن يوظف المدرسون الاستراتيجيات، والخطوة التي تليها هي توثيق مدة وكيفية نجاح استعمال هذه الاستراتيجيات خلال الأسبوع المدرسي: أتستخدم لمجرد ملء الفراغ بينما ينتظر الطلاب حافلة المدرسة؟ أم يندمج الطلاب بفاعلية في عملية التعليم بنسبة 65% ـ 70% خلال اليوم الدراسي؟ بالإضافة إلى الاستمرارية والاندماج الفاعل للطلاب كيف يبدو صف المعلم؟ وهل هناك إثباتات على عمل الطلاب في كل مكان؟ وهل القطع الفنية والأعمال الكتابية وحلول المسائل بارزة؟ وهل لوحة البيانات تؤكد على أهمية التفاعل الإيجابي للمجموعة وعلى الاستخدام العالي لمهارات التفكير؟ وهل قائمة الملاحظات معروضة حتى يعرف الطلاب أية مهارات تتم ملاحظتها؟ وهل يوحي صف المدرس بهذا من خلال ما هو معلق على الجدران أو مدلى من السقف؟ وإذا كان ما هو معلق ليس إلّا مواد من الكتب نفسها، فهذا دليل على أن محور الدرس هو المعلم وليس الطلاب.

من أهم الوثائق التي تدل على تعلُّق المدرس برحلة المدرسة الفاعلة هي حقيبة المدرس. فالمدرسون الذين أصبحوا مرتاحين بمشاركة زملائهم في الاستراتيجيات، ويقدسون التبادل الإيجابي في تدريب أقرانهم، هم وحدهم القادرون على توثيق ناجح لدروس زملائهم. فهؤلاء المدرسون يحتفظون بحقيبة من الاستراتيجيات المفيدة. ولا توثق هذه الحقائب خبرات المدرسين فقط، بل توضح مقدار عمل الهيئة التدريسية لخلق مدرسة فاعلة. كما أن توثيق استخدام الوحدات والدروس الخلاقة في الحقيبة يزيد في حس المهنية في المدرسة، ويشجع المدرسين على العمل على مقاييس جديدة من الامتياز.

 

تقويم التنظيم المدرسي:

الدليل المبكر على أن المدرسة ستصبح مدرسة فاعلة هي الخبرة التي يوفرها المدرسون للطلاب، ومتى يشجع المدرسون على عادة إرشاد طلاب الصف السادس لطلاب الصف الأول، أو الصداقة بالمراسلة بين طلاب الصف الثاني وطلاب الصف الخامس؟ وعلى سبيل المثال في إحدى المدارس هناك طلاب يكتبون مسرحيات عن يوم الأرض، ثم يتم اختيار اثنتين منها لكي يتم تمثيلهما . فطلاب المدرسة الثانوية يقومون بكل الأعمال الإنتاجية مثل: المكان والأضواء والموسيقى والملابس. وطلاب المدرسة الإعدادية يقومون بالتمثيل، بينما يقوم طلاب المدرسة الابتدائية بكل الإعلانات عن مفهوم يوم الأرض والمسرحية للمجتمع.

هناك دليل مبكر آخر في رحلة المدرسة الفاعلة هو زيادة دعم الأهل للمدرسة، وذلك عن طريق تعيين العمل باللعب للطلاب، وتشجيع الأهل على القيام بدور في أنشطة التعلم الفعال. فيبدأ الأهل في رؤية وفهم التغيرات في الصف، وكذلك قائمة الملاحظات وبطاقات الحكايات، يشارك فيها الأهل حتى يستطيعوا هم أيضاً ملاحظة تطور أطفالهم من خلال السلوكيات الذكية في البيت. كما يتم عقد اجتماع للأهل مع أبنائهم حول العمل الفردي في حقيبة مستندات الطالب من أجل إضافة ملاحظاتهم. وبذلك تتوطد علاقتهم أكثر بتعليم أبنائهم عندما يزداد ظهورهم في الصف.

وبينما تسير المدرسة لتصبح أكثر فاعلية، فإن الهيئة التدريسية تبذل مجهودات لوصف رؤية المدرسة والتغييرات المستمرة في المجتمع، كما أنهم يدعون المجتمع إلى المشاركة في الرؤية العملية، وأن يكونوا جزءاً من جهود تطور المدرسة.

 

استراتيجيات تعليمية للقرن الحادي والعشرين

Educational Strategies for the 21 Century))

شبكة المدارس الفاعلة. (The Network of Mindful Schools)

اقتباس من دليل العمل للتغيير المنظم.Excerpt from Working Guide to Systemic) Change)

(by Beth Swarts) تأليف: بِث سوارتز

ترجمة: عطية محمد العمري

موقع دهشة