استخدام الإيحاء في التعلم السريع

في حال قبلنا فرضية أن "الإيحاء موجود في كل مكان"، عندئذ بإمكاننا أن نجري مناقشة حول فكرة أن مفهوم "الإيحاء"هو ما يدعم في الواقع العناصر الجوهرية في التعلم السريع. حيث أنه الرابط بين مفهومنا لدور المعلم في التعلم السريع، ودور الحب في التعلم السريع، ودور الشعور في التعلم السريع، وفهمنا لأهمية الحالة العاطفية، وأهمية بيئة التعلم، ودور الموسيقى والفنون، والحافز الشخصي، والمعرفة المتعلقة بالدماغ البشري، والذكاء المتعدد وأساليب التعلم، والخيال والاستعارات والتعلم الجماعي والتعاون والتحسن والنتائج.



دور المدرس كشكل من أشكال الإيحاء

إن أدب التعلم السريع (Lozanov, 1991, 1978a, Dhority, 1991, Caliendo, 1990, Prichard, 1980; Berkowitz; 1993) مليء بتوصيفات الخصائص التي يجب على مدرسي التعلم السريع أن يجاهدوا لتجسيدها. وبالتالي، لماذا هو التركيز على المدرس؟ لماذا دور المدرس يملك مثل هذه الأهمية الكبيرة في التعلم السريع؟ والجواب هو لأن ممارسي التعلم السريع يفهمون عمل روبرت روزينثال، الذي أصبحت استعارته المتعلقة بأثر بيغماليون، مترادفة مع الطريقة التي يقوم فيها المدرس بلاوعي بالتلقين والتي تؤثر على شعور الطالب حيال نفسه وحيال أدائه الدراسي أيضاً.ويذكرنا دوريتي (1991):

  • إن الوسط غير منفصل عن الرسالة:حيث أننا كمدرسين نكون المجسدين والناقلين والقنوات لما نتواصل من أجله.
  • كما أن المدرسين إما يزودون أو يعززون أو يساعدون الطلاب في رفع الاتجاهات والمعتقدات التي تقيد الذات" (ص. 40).

 

دور الحب كشكل من أشكال الإيحاء

لتقدير عمق التزام ممارسي التعلم السريع بتطوير "المدرس الداخلي"، قام أحدهم بالتذكير بكلمات ميير Meier (2000) عندما يتحدث عن روح من يمارس التعلم السريع:

التعلم السريع هو عام وشامل وليس تجميلي.إنه عبارة عن فلسفة تبتعد عن الأفكار التقليدية للتعلم إلى حد كبير جداً. وهو يتطلب مزايا وخصائص معينة في القلب والروح والعقل في حال كنت تريد أن تحقق فيه المقدار الأكبر من النجاح. حيث يجب على كينونتك الكاملة أن تتناغم مع فلسفة التعلم السريع، وعليك أن تشعر بتضميناتها الإنسانية على مستوى أعمق، وإلا فإن كل شيء تقوم به من خلال التعلم السريع سيكون تقريباً غير متناغم ومفكك وصغير ويفتقر إلى الحافز وغير فعال (من حيث القيمة على المدى الطويل) (ص. 237).

أما بالنسبة للآخرين في المجال (DePorter et al 1999; McPhee, 1996) فإن فكرة "الحب" هذه قد يتم ضبطها بشكل أفضل من خلال كلمة "النية". حيث أنهم يعتبرون أن نية المدرس الإيجابية هي المقوم الأساسي لنجاح الطالب. وقد قدمت Minewiser (2000) الاقتراح التالي فيما يتعلق بما قد يحدث في الصف الذي يتبع الإيحاء أو في أي وضع تعلمي عالي التأثير، بما في ذلك صفوف التعليم السريع. حيث أنها تدعي أن نية المدرس المهتم ذات التركيز العالي تحمل الإيمان الراسخ بقدرته على مساعدة الطلاب في الوصول إلى إمكانياتهم المدخرة في التعلم والذاكرة. ويتم نقل هذه النية إلى الطالب، المرتاح من خلال جلسات الأداء الموسيقي المنفعلة، الذي يصبح طوعاً مشاركاً بفعالية في خلق معرفة جديدة من خلال لعب الأدواروالألعاب والأغاني والنشاطات الأخرى.وتصبح معدلات القلب وموجات الدماغ لدى الطالب أكثر تماسكاً وتصبح المجموعة مشدودة بحيث تنساب المعلومات أو الطاقة بسهولة أكبر بين المدرس والطلاب وبين الطلاب (ص. 21-22). وأشار Lozanov (1977, 1978a) أيضاً إلى فكرة قوة نية وقصد المدرس. وكجزء من برنامجه التدريبي، افترض بأنه عندما يقوم مدرسي التعلم السريع بقراءة الموسيقى الفعالة، فإنهم لا يقرؤون فقط النص بطريقة موصوفة، وإنما يقومون أيضاً، في نفس الوقت، بإلقاء الضوء على الأفكار الإيجابية للمتعلم.

 

دور العاطفة كشكل من أشكال الإيحاء

"لا يهتم الطلاب بما تعرفه حتى يعرفوا بأنك مهتم".

أشار DePorter et al. (1999) إلى الأدب الذي يظهر ارتباط مباشر بين الاندماج العاطفي وأداء تعلم الطالب كبرهان على ضرورة بناء الثقة /العلاقة في التعليم.وفي بحثهما الخاص، وجد المؤلفون بأن السبب الأكبر الذي أعطاه الأولاد لعدم إصغائهم إلى/محبتهم للمدرسين هو "إنهم لا يهتمون بي" (ص. 33).

وبسبب أن التركيز الكبير في التعلم السريع هو على أهمية العواطف في خلق بيئة إيحائية إيجابية، قامت Berkowitz 1993) بدراسة المكونات الفعالة للقاعة الدراسية التي تتبع أسلوب التعلم السريع. وقد نظرت دراستها إلى أبعاد العاطفة، بناءً على الخصائص التسهيلية لكارل روجر (الانسجام، والاحترام والعلاقة الإيجابية، والتعاطف).

ووجدت Berkowitz (1993) بأن مدرسي برنامج التعلم السريع في جامعة هوستن (UHALP) كانوا قادرين على صياغة/إظهار كل أنواع الشعور والعاطفة من خلال هويتهم المنتحلة، وكنتيجة لذلك، قلد الطلاب موقف مدرستهم وقاموا بإتباع المعايير والقواعد التي وضعتها من أجل الصف، أي، السماح بالتعبير عن المشاعر والعواطف والأفكار.وقد وجدت erkowitz أن مدرسي UHALP (برنامج التعلم السريع في جامعة هوستن) الذين استخدموا الابتسامات والضحك والهويات المزيفة، والتمثيل والتهريج والفكاهة والغناء واللعب كوسيلة لصرف انتباه الطلاب بعيداً عن فكرة أن التعلم هو أمر صعب".

كما أنهم قاموا أيضاً باستخدام الإيماءات الإيجابية غير اللفظية لنقل التأثير الإيجابي ولخلق علاقات شخصية إيجابية بين الطلاب. وكانت السلوكيات غير اللفظية التي لاحظتها Berkowitz (1993) هي: استخدام تعبيرات الوجه الإيجابية، وإيماءات الترحيب والمحبة والكثير من التواصل بالنظر. وتعلمت Berkowitz بأنه حتى أسلوب ولون الملابس التي كان يرتديها المدرسين كانت تتم بالتداول والتشاور. وتناول النوع الأخير للسلوكيات غير اللفظية التي لاحظتها Berkowitz البيئة المادية. حيث تم استخدام الأزهار والدعامات والقبعات والأشياء الملونة، وأغطية الطاولة والأدوات المساعدة البصرية الأخرى لخلق جو سار ومبهج.

" لقد كان من الواضح أن مدرسي UHALP قد وجدوا أن من المهم جداً إظهار شخصيتهم الحقيقية للطلاب، لإظهار أنفسهم بصدق إلى الصف وللحصول على مصداقية في أعين الطلاب" (Berkowitz, 1993, p. 347). وقد دعم خط التفكير هذا اعتقاد روجر (1993) بأن على المدرس أن يطابق تعبيراته وتصرفاته الداخلية والخارجية، وأن يظهر ذاته الحقيقية وليس مظهر شعائري كاذب.

وقد أظهر مدرسي UHALP تعاطفهم وتفهمهم من خلال الاستماع وتقبل استجابات وإجابات الطلاب. وقد استشهدت Berkowitz (1993) بقول أحد مدرسي التعلم السريع: "إنه كما لو أن لكل شخص كتاب في داخله وهم يفتحون الصفحات. إنني على تأهب وحذر لما يقوله الطلاب أو يرغبون بقوله أو لا يستطيعون أحياناً التعبير عنه بالكلمات. حيث أنني متنبه لاحتياجاتهم". (ص. 348). كما أن الاحترام أو العلاقة والنظرة الإيجابية هي معيار آخر من معايير روجر (1983). وقد أظهر مدرسي UHALP الاحترام لطلابهم من خلال تشجيع الطلاب على المحاولة، وتقييم جهودهم حتى عندما يرتكبون الأخطاء، وعدم تصحيحهم مباشرة ولكن من خلال إعادة بسيطة للعبارة إلى المجموعة ككل.

إن تزويد الطلاب بالتعليم الحماسي والنشط والإبداعي، وتحمل المسؤولية الشخصية عن فشلهم في الفهم كانت عبارة عن طرق أخرى يقوم المدرسين من خلالها بنقل اتجاه وموقف محترم تجاه المتعلمين.حيث يهدف هذا التأثير الناشئ عن هذا الجو الإيجابي إلى الإجابة على احتياجاتهم الوجودية بأن يكونوا محبوبين ومقدرين ومحترمين (ص. 349). وقد شعر مدرسي UHALP بأن نوع التعلم في صفوفهم الدراسية الذي يتضمن العقل والعاطفة والنظري والعملي والمحتوى والمعنى بهذه الطريقة هو لتسريع التعلم وتقليل الضغط.

دور حالات الشعور والوعي كشكل من أشكال الإيحاء

يقوم العقل بالإبداع والإنجاز وفقاً لطبيعة الافتراضات التي يقبلها على أنها حقيقة.

--- Prichard, 1997

من المحتمل أن أحد أكثر الجوانب الآسرة والملفتة للاهتمام في التعلم الإيحائي/التعلم السريع التي تم تناوله في الأدب هو علاقته بمختلف الجوانب/الحالات للوعي والشعور.حيث أن ممارسي التعلم السريع، المدركين لدور العمليات الذهنية اللاشعورية في التعلم والذين يفهمون بأن التعلم السريع هو نظام التعليم والتعلم الذي يقوم بإشراك كامل نظام الكائن الحي، قد تمت مواءمتهم لتأثير الطاقة المختلفة والحالات التعليمية المتعلقة بالجسد وكيف يمكن لها أن تؤثر على الطاقة والحالات التعليمية لدى الآخرين. ونتيجة لذلك فإنهم يفهمون منطق التعلم السريع ومعدلات التذكر عندما يرتبط الشعور واللاشعور معاً بشكل متناغم من خلال استخدام الفنون والموسيقى واستخدام كل من نصفي الدماغ الأيسر والأيمن في عملية التعلم.

 

دور الإيحاء في التعلم السريع

لقد كانت فرضية Lozanov (1978a) بأن بيئة التعليم الإيحائي تتحقق من خلال تنفيذ المدرس للعملية الإيحائية- التخلص الإيحائي (إزالة المفاهيم القديمة فيما يتعلق بقدرة الفرد على التعلم وإحلالها بمفاهيم جديد حول قدرة الفرد على التعلم). وقد قدم Lozanov (1978a) لممارسي التعلم السريع سبعة أدوات لمساعدتهم في تلك العملية وهي: النفوذ، الطفولية، الانبساطية المزدوجة، نبرة الصوت، التناغم، الانفعالية الكاذبة للحفلة الموسيقية.

كما أشار Prichard (1978a) أيضاً إلى سبعة مصادر للإيحاء لتحفيز التعلم الأعلى من قبل مدرس التعليم السريع الإيحائي SALT. وهي: 1) ألفاظ المدرس، 2) الإيماءات غير اللفظية للمدرس، 3) ديكور القاعة الدراسية، 4) مواد الدرس، 5) النشاطات، 6) الإيحاء النظير و7) الإيحاء داخل الطالب.

كما قدم ممارسين آخرين للتعلم السريع قائمة مشابهة (Schuster and Gritton, 1986; Dhority, 1991; McPhee, 1996; DePorter et al., 1999; Meier, 2000)

على سبيل المثال، اقترح دوريتي (1991) ما يلي "كيفية تطبيق" الإيحاء: التأمل و/أو تقنيات التركيز، وتقنيات التصور، وتقنيات بناء العلاقات الحميمة والتقنيات المجازية. بالإضافة إلى ذلك، قام بالتركيز على الطاقة "الباعثة" للكلمات كما درس استخدام اللغة وتأثيرها على الحالة الداخلية للمتعلم. وقام Schuster (1986) بوصف أربع أنواع مختلفة للإيحاء: اللفظ- المباشر، الإيماء غير اللفظي المباشر، اللفظ غير المباشر والإيماء غير اللفظي غير المباشر، وتقديم أمثلة مفصلة حول كيف يمكن أن تستخدم كل واحدة في بيئة التعلم السريع.

وحديثاً جداً، قام DePorter et al. (1999) بالإشارة إلى فكرة "تيسير الحالة" أكثر من مصطلح "الإيحاء" كوسيلة يتم من خلالها زيادة لحظة التعلم إلى الحد الأقصى. وقاموا بتحديد الحالة على أنها تشمل ثلاثة مكونات متداخلة: "الأفكار، والشعور، والفسيولوجيا (علم الوظائف)" (ص. 150). وتتراوح الإستراتيجيات التي يقترحونها على طول السلسلة من تغييرات الحالة الجسدية فقط (الوقوف والتمدد) إلى تغييرات الحالة المعرفية ("تخيل هذا...")، إلا أنه، ومهما كان الاسم، "الإيحاء" أو "تغير الحالة"، فإن الغرض من التدخل هو إعادة توجيه تفكير الطلاب حول أنفسهم كمتعلمين.

وقام Borond و Schuster (1976) بدراسة تأثيرات استخدام الإيحاء، والتنفس المتزامن والموسيقى في تعلم وتذكر كلمات اسبانية. وقد أوجد Schuster (1976) مواقف معالجة مختلفة تم في كل منها استخدام ثلاث متغيرات بشكل مستقل، وبشكل زوجي وفي مجموعة.

وفي دراسته تم استخدام "الإيحاء" كرسائل لفظية وتعليمات تتعامل مع ثلاث ظواهر: أ) إعداد توقع أن التعلم سيحصل، ب) تعلم استخدام الإجراءات التأملية التخيلية، وج) الجو الإيحائي غير المباشر المؤدي إلى التعلم (ص. 29). وقد أشارت نتائجه بأن تأثير المتغيرات الثلاثة المستقلة قد أشارت إلى أن الإيحاء أحدث 60% تحسن على الحالة التي ليس فيها إيحاء.

كما أظهرت حالة التنفس المتزامن 47% تحسن، وأظهرت حالة الموسيقى المنظمة 25% تحسن على حالة الموسيقى غير المنظمة. إلا أن مجموع هذه المكونات الثلاثة قد أظهر التغير الأكبر، وهو تحسن بنسبة 141%.