إمكانية نجاح نموذج الأندراغوجي

كما نعلم، فقد مر زمن طويل على اكتشاف نموذج الأندراغوجي، وبالرغم من هذا فإن المستقبل القريب يحمل في طياته إثارة العديد من التحديات والفرص في البحث والممارسة. سنبحث في بعض القضايا الأساسية المتعلقة بتطوير مفهوم وفلسفة الأندراغوجي إضافة إلى حاجات البحث المستقبلية فضلاً عن تطوير التطبيقات العملية. فالتوسع ليس هدفنا وإنما الهدف منه هو تحديد القضايا الأساسية لنموذج الأندراغوجي والتي ستصبح محوراً للبحث والممارسة في المستقبل.



 

مفهوم وفلسفة نموذج الأندراغوجي

 

من البديهي أن المفسر هو المسؤول عن اختلاف معنى كل من مفهوم وفلسفة الأندراغوجي وذلك تبعاً للمكان الذي ينتمي إليه. ففي الولايات المتحدة مثلاً, يرتبط مفهوم  الأندراغوجي وبشكل واضح مع "مالكولم نولز" الذي قام بصياغة هذا المفهوم. حيث أن التسمية التي ستطلق عليه قد أثار العديد من الجدل إلى أن أطلق عليه (نولز) في مؤلفاته الأخيرة اسم "الإطار المفاهيمي الأساسي للنظرية الناشئة" (ص,112).

 

ويعرف الأندراغوجي في الولايات المتحدة بأنه وجهة نظر أو نظرية تعلم الراشدين, ومن الملاحظ ترادف هذا المفهوم مع مجال تعلم أو تعليم الراشد. في حين يأخذ الأندراغوجي معنىً مختلفاً تماماً في أوروبا وبقية أنحاء العالم. ويصور ريسمان (2004) هذا المفهوم على النحو التالي:

 

إن مناقشات نولز لم تحظى بقبول جيد في معظم بلدان أوروبا. كما اتصف استخدام وتطوير "الأندراغوجي" في البلدان واللغات المختلفة بكثرة الغموض والضعف وقلة التناسق ولكنه في الوقت نفسه موثوق. لقد اختص نموذج الأندراغوجي بتصوير مفهوم واحد خاص، إلا أنه ارتبط منذ عام 1970 وحتى الآن بالعديد من المؤسسات والمنشورات والبرامج المهنية والأكاديمية ويعود السبب في ذلك إلى تطوير تعليم الراشدين في الولايات المتحدة من الناحيتين النظرية والعملية. وقد ضاهى الأندراغوجي الفروع الأكاديمية كالفيزياء والطب وعلم الأحياء وذلك بتصدره للعديد من المواضيع الرئيسية للأفكار المنظمة في أوروبا. نذكر منها:

1-  "الأندراغوجيجيا": المجلة العملية اليوغسلافية المتخصصة بتعليم الراشدين والتي تم تأسيسها عام 1969.

2-  "الجمعية اليوغسلافية للأندراغوجي" عام 1993 .

3-  "مركز الأندراغوجي الجمهوري السلوفيني" في سلوفينيا و الذي رافق تأسيسه إصدار مجلة "أندراغوسكاسبوزنابخا".

4-  مجلة "كاتيدرا أندراغوجيكي" عام 1995 التابعة لجامعة براغ (كزيتشيا) .

5-  جامعة بامبيرج ألمانيا المسماة "ليهرستيوهل أندراجوجيك".

6-  "andra.ee.": عنوان جمعية تعليم الراشدين الأستونية على الانترنت.

 

يمكننا في هذا السياق وضمن مجالات أخرى خاصة استخدام مصطلح الأندراغوجي في البلدان الشيوعية والرأسمالية فيما يتعلق بجميع أنواع النظريات بغرض التفكير والتحليل والتدريب وبرامج توجيه الأشخاص فضلاً عن تطوير التنمية البشرية. وهناك توسع أكاديمي ومهني مشابه قد تم تطويره في جميع أنحاء العالم واتخذ أحياناً اسم "أندراغوجي" .

 

ولتوضيح ما سبق نذكر "المعهد الدولي للأندراغوجي" في فينزويلا وجمعية كوريا لتعليم الراشدين وللتعليم المستمر التي تنشر منذ عام 1998. وإن ذلك من شأنه تزويد الواقع بأشكال جديدة من المؤسسات والوظائف والأعمال المهنية فضلاً عن المستخدمين الذين يعملون طوال ساعات الدوام المعتادة بعد خضوعهم للتدريب الأكاديمي.

 

وقد قامت بعض المؤسسات المهنية الحديثة باستخدام مصطلح أندراغوجي بمعنى تعليم الراشدين مع التركيز على الناحية العلمية. وبالرغم من ذلك فإن من الملاحظ أن استخدام مصطلحات مثل "تعليم الراشدين" أو "التعليم الإضافي" أو "أصول تعليم الراشدين" في أنحاء أوروبا تضاهي استخدام مصطلح "الأندراغوجي". وهكذا فقد انتشر حالياً فرع أكاديمي يركز على تعليم الراشدين في العديد من جامعات العالم كما أصبح له برامجه وأساتذته وطلابه الخاصين.

 

إلا أننا نجد في قائمة عضوية لجنة أساتذة تعليم الراشدين في الولايات المتحدة الأمريكية (2003) بأن هناك أكثر من معهد جامعي يستخدم اسم "الأندراغوجي". فمثلاً: هناك معهد واحد من أصل خمسة وثلاثين معهد في ألمانيا وستة معاهد من أصل ستة وعشرين معهد في أوروبا الشرقية. يظهر عدم حاجة العاملين في هذا المجال إلى استخدام اسم "الأندراغوجي". إلا أن هناك علماء آخرون ممن زودوا نولز بمصطلح الأندراغوجي, أمثال دوزان سافيسفيك بان "يؤكدون على استخدام  الأندراغوجي باعتباره فرعأ معرفياً يتناول موضوع دراسة تعليم وتعلم الراشدين في كل أشكاله وتعابيره". (سافيسفيك, 1999, ص 97 ; هينسكي, 2003 ; ريشمان, 2003). وهذا التأكيد ليس مجرد تعريف وذلك لأنه يتضمن نتائج ذات تأثير مباشر على الواقع مستقبلاً. بمعنى آخر, إن تحدي "الخارج" (يتطلب فرعاً جيداً ضمن نطاق الجامعة), ومواجهة "الداخل" (تحدي الزملاء) وذلك لإظهار فهمهم وتقبلهم لوظيفتهم وعلمهم. بشكل عام, للمحافظة على هوية الشخص الأكاديمي الواثق من نفسه.

 

يكمن التحدي المهني بإقرار وتنسيق تلك الوجهتين مع المحافظة على استغلال كل منهما. إذ  إن فترة اتخاذ مجال تعليم الراشدين لنموذج الأندراغوجي كنظرية خاصة به في الولايات المتحدة قد انتهت، ويبدو الآن من المستحيل أن يحظى مصطلح الأندراغوجي على معنى واسع في الولايات المتحدة كما حظي في أوروبا.

 

 

من كتاب "المتعلم الكبير" لمالكوم نوليس بتصرف

عن كتاب: المتعلم الراشد لمالكوم نولز