إعداد المعلم وتأهيله لمهنة التعليم
الإعداد التخصصي:
ويُقصد به إعداد المعلم ليكون ملماً بفرع من فروع المعرفة، وهذا لا يتم إلا في الكليات الجامعية. فالمعلم لا يمكن أن يؤدي دوره التعليمي بالشكل المطلوب ما لم يتمكن من العلم الذي سيقوم بتعليمه في المستقبل. ومن ناحية أخرى لا بد أن نجعل أسلوب التفكير والإبداع هو الهدف. وهنا يجب استخدام المعرفة كوسيلة لهذا التفكير والإبداع، فالتفكير والإبداع هما وسيلتان لنمو المعارف لدى المعلم، وعليهما تستند قدرات ومهارات المعلم العلمية.
الإعداد المهني:
يعتبر الإعداد المهني أهم ركيزة من ركائز إعداد المعلم، حيث يهدف إلى تكوين وصقل شخصيته ليكون قادراً على أداء مهمته التربوية والتعليمية في توجيه وإرشاد الطلاب. ونقترح في هذا الجانب هدفين للإعداد المهني للمعلم:
- الاستيعاب الكامل لحقيقة العملية التربوية والتعليمية وأهدافها حتى يتمكن من التأثير الإيجابي في الطلاب وفقاً للأهداف المقررة.
- الاستيعاب الكامل لاحتياجات الطلبة المختلفة، وقدراتهم ومعرفة الفروق الفردية وإمكاناتهم.
وكذلك نقترح هنا بعض البرامج لإعداد المعلم مهنياً:
تزويد المعلمين بحصيلة فكرية من المعلومات والمفاهيم الأساسية في علم النفس التربوي كالطفولة والمراهقة والفروق الفردية ونظريات التعلم.
معرفة أساليب الربط بين الخبرات الدراسية والوسائل التي تحقق ذلك، حتى يستطيع أن يؤدي مهنته على مستوى طيب من الأداء.
إلمام المعلمين بقدر كاف من المعلومات والخبرات التي تتعلق بالبيئة المدرسية بمراحلها المختلفة من حيث الأهداف والوظائف.
معرفة أهمية الوسائل التعليمية لاستخدامها في الأوقات المناسبة.
دراسة أساليب التقييم المختلفة.
التعرف على أساليب التوجيه والجوانب التي يمكن أن يتم فيها هذا التوجيه.
التدريب المستمر على الأسلوب العلمي في التفكير والإبداع والقدرة على حل المشكلات.
إن الإعداد المهني يهدف إلى إكساب المعلم القدرة على استخدام الوسائل. وأن يستفيد من التجارب، وعليه فإن المعلم لا بد أن يُعدّ الإعداد الجيد قبل ممارسة المهنة.
الإعداد الثقافي:
تنتقل الثقافة من جيل إلى جيل عن طريق التعلم والتعليم، وهي مكتسبة يتم تعلمها من قبل الصغار والكبار، وهي كذلك متغيرة بحكم تطور المجتمعات الإنسانية، فأهميتها للمعلم ترجع إلى :
- القدرة على حسن الاختيار من بين العناصر الثقافية ليستخدمها بصورة تؤثر في الفرد. حيث أن الحقائق والقوانين والأفكار الاجتماعية والمعاني والقيم والنظريات تنتقى من الثقافة، لذلك فإن هذا كله يستلزم من المعلم الوعي والتمييز، حتى لا يعطي الطلاب المفاهيم الخاطئة.
- القدرة على حل المشكلات التي تعتري العملية التربوية لدى الطلاب، وهذا بدوره يؤدي إلى تسهيل عملية التربية والتوجيه.
- تعطي المعلم معلومات عن البيئة التي يعيش فيها وعن العالم المحيط به.
- تمكنه من الإلمام بالموضوعات المتنوعة حتى يستطيع الإجابة عليها.
فإذا أعد المعلم الإعداد الثقافي بالشكل المطلوب، فإنه يكون ذا تفكير وأفق واسع ومدرك، وأقدر على استخدام الأدوات المهنية بكفاءة عالية، وكذلك أقدر على اكتشاف الفروق الفردية لدى الطلاب، ليكون مصدر ثقة واحترام بالنسبة إلى الطلاب لينجذبوا نحوه ويؤثر كل ذلك في زيادة تحصيلهم، والقدرة على تفعيلهم.
الإعداد التدريبي:
يعمل التدريب المستمر للمعلم على رفع قدراته ومهاراته ومستواه التحصيلي نظرياً وعملياً، ويكون قادراً على تأدية مهنته بجدارة. فكلما دُرّب المعلم التدريب الصحيح وأعطي معلومات ومفاهيم جديدة تفيده في مهنته، أصبح عطاؤه مثمراً ذا نتيجة ومردود حسن على الطلاب. لأنه من خلال التدريب يتلقى الجديد والمفيد لتطوير نفسه أولاً، ويحسن من أدائه في مهنته ثانياً. وهذا التدريب الحالي للمعلمين أيا كانت الجهة التربوية التي تعقده لا يؤدي المطلوب، ولا يحقق النتائج المرجوة من عملية التدريب للمعلم، لأن طريقته –من وجهة نظرنا- مملة وروتينية ينبغي إعادة النظر فيها، وترتيب عملية التدريب، لنتمكن بعد ذلك من تمهين التعليم ونحن مطمئنون على وضع المعلم.
تدريب المعلمين في المدرسة الحديثة:
إعداد وتدريب المعلم قديم في الثقافة العربية الإسلامية، وتركز الآن المؤسسات الحديثة التي وردت إلينا من العالم الغربي وأقمناها في العالم العربي على مسميات مختلفة فيما يتعلق بتدريب المعلمين، مثل "دار المعلمين"، و"معهد التربية للمعلمين"، و "كلية التربية"، وغيرها من المسميات، والملاحظ أنه في الوقت الذي تطورت فيه النظرية التربوية بدرجة كبيرة في العالم الغربي وشمل ذلك مفهوم إعداد المعلم فإن معظم المؤسسات التربوية في العالم العربي ظلت تعمل بصورة تقليدية من خلال مفهومي المنهج والتخصص، وأصبح إعداد المعلم يعني إكمال برنامج محدد في دراسة المادة التخصصية، وطرق التدريس وبعض نظريات علم النفس، ثم الحصول على الشهادة أو الدرجة الجامعية التي تؤكد ذلك ليصبح الدارس بعدها معلماًَ مرخصاً له بممارسة المهنة ومعترفاً بقدراته الأساسية في هذا المجال.
وتقوم نظرية إعداد المعلم في العالم العربي على نظرية الاتصال واختصرها في ثلاثة مسميات: المرسل- والرسالة-
والمرسل إليه، فالمعلم هو المرسل، والرسالة هي مادة التعليم والمرسل إليه هو التلميذ الذي يتلقى رسالة المعلم.
وتعمل هذه النظرية في إطار ميكانيكي يتجاهل حقيقة أن المعلمين يتفاوتون في قدراتهم العلمية واستعداداتهم النفسانية، كما يتجاهل حقيقة مادة التعليم ذاتها والإطار الذي تتم فيه والتباين الواضح بين التلاميذ ودرجة استعداداتهم في التلقي، بل والتفاعل مع المادة العلمية التي يتلقونها، وأيضاً المؤسسة التي تتم فيها هذه العملية بأسرها. ويختلف هذا الاتجاه في مجمله عن التيارات التي بدأت تبرز حديثاً في العالم الغربي، والتي ترى أن إعداد المعلم لا ينتهي عند المؤسسة التي تعلن أنها تقوم بتدريبه،
أو الدرجة العلمية التي يحملها من أجل الاعتراف بمكانته، بل ولا تنتهي أيضاً عند ممارسة دوره بكفاءة كما هو الحال في المدرسة التقليدية وتذهب هذه الاتجاهات إلى عدم الاعتراف بالنظرية التي تقول بإمكان تدريب سائر المعلمين الذين يؤدون تخصصاً واحداًَ وتدريباً متساوياً، ذلك أن المدارس التي يعمل فيها المعلمون تختلف اختلافاً كبيراً؛ فالمدرسة المدنية تختلف عن المدرسة الريفية، والمدرسة الريفية تختلف عن المدرسة البدوية، والمدرسة التي يؤمها أبناء الأغنياء تختلف عن المدرسة التي يؤمها أبناء الفقراء، والمدرسة التي يأخذ منتسبوها من كل تلك العناصر تختلف عن المدرسة التي يتساوى فيها التلاميذ في مستوياتهم البيئية والاجتماعية.
ويبدو في ضوء ذلك أن التركيز على تدريب المعلم هو أكثر من التركيز على إعداده، ومفهوم التدريب يأخذ أسبقية على مفهوم التعليم لأنه لا فائدة في أن يكون المعلم ملماً بمادته وبالأطر النظرية في التربية ولكنه غير قادر على التأقلم مع البيئة المدرسية التي يعمل في إطارها.
ويضع مفهوم التدريب تحدياً كبيراً أمام معاهد تدريب المعلمين وكليات التربية، وهو التحدي الذي جعل بعض العلماء يذهبون إلى القول بأن وجود المعلم في مدرسة مع مدير يفهم طبيعة عمله ويعرف كيفية إدارة مجموعة المعلمين في مدرسته، أجدى بكثير من السنوات التي يقضيها المعلم في فصول
معهد المعلمين وكليات التربية، ولا يعني هذا الرأي عدم الحاجة إلى هذه المؤسسات، وإنما هو فقط ينبه إلى ضرورة أن تتطور المعاهد والكليات بإدخال مفاهيم جديدة للتعليم والتدريب تراعي التطورات التي بدأت تبرز حديثاً.