أي علاقة أصبحت تربط بين المُدرِّس وتلميذه؟

يجمع العديد من الباحثين الاجتماعيين والأساتذة والآباء على كون علاقة المُدرِّس وبالتلميذ وصلت إلى الباب المسدود في أغلب الأحيان



فقد انتشر التشنج والعداء وانعدام الثقة بين الطرفين وغياب الاحترام الواجب، بل قد تصل العلاقة إلى حد التهديد بالقتل كما وقع لمُدرِّس بنواحي خنفرة في يناير الماضي، فقد حاول ثلاثة من تلامذته يتابعون دراستهم بسلك الإعدادي ذبحه من الوريد بعد أن اعتدوا عليه بالضرب وطرحوه أرضاً، ناهيك عن العديد من حالات الاعتداء والسب والشتم، وما يزيد الطين بِلَّةً هو التقارير الدوليَّة والوطنيَّة حول تدني مستوى التعليم في بلادنا، لعل آخرها تقرير المجلس الأعلى للتعليم، والذي أنجزته الهيئة الوطنيَّة للتقويم؛ بتعاون مع المركز الوطني للتقويم والامتحانات التابع لوزارة "اخشيشن"، إذ خلص التقرير إلى أن الثلث فقط من تلاميذ القسم الرابع ابتدائي يستطيعون إنجاز عمليات الجمع والضرب والطرح والقسمة، كما أن غالبية التلاميذ المغاربة لا يتقنون قراءة النصوص المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.


تنشئة اجتماعيَّة مضطربة:
الباحث الاجتماعي "عزيز مشواط" يُؤكِّد أن الأستاذ لم يعد نموذجا بالنسبة إلى التلميذ، لأنّ وسائط الاتصال الحديثة، وبخاصة التلفزة وبعدها الأنترنت أحدثت إخلالاً كبيراً في نظام التنشئة الاجتماعيَّة، وأحدثت اضطراباً وانعدام توازن بين مستويين مختلفين من الخطاب، الأول تنتجه المدرسة والأسرة، ويمكن وسمه بالتقليدي، والثاني يتم تلقيه من وسائط الاتصال، ويتجه نحو التحرُّر واعتماد آليات جديدة في التبليغ يغلب عليها الطابع الترفيهي. وبهذا المعنى، يضيف مشواط في تصريح "للتجديد''، لم يعد دور الأستاذ بسيطا، لأنه لم يعد المالك الوحيد للمعرفة، بل صارت العملية معقدة بعد أن تجاورت إلى جانب المدرسة والأسرة وسائط الاتصال الجديدة، بل إنّ التربية أو التنشئة صارت في اتجاه قوى درجة تأثير وسائل الإعلام، حيث ''أصبحت التربية عملية منتشرة تقوم بها الأسرة والمُؤسَّسات التعليميَّة ومُؤسَّسات الشغل والمُؤسَّسات السياسيَّة ووسائل الاتصال على اختلاف أنواعها''. وأشار المتحدث إلى أن الكثيرين بفعل هذا التأثير بدؤوا يتحدَّثون عن ''موت أو نهاية المُدرِّس'' بالموازاة مع ''موت المدرسة'' بفعل هاته السطوة الإعلاميَّة، والتأثير الذي لا يخرج عن سياق ما تتعرض له المدرسة على الأقل في البلدان الثلاثة من هجوم، حيث تكاد تعلن استقالتها من تدبير الشأن القيمي والثقافي، فاسحة المجال لفاعلين جدد (الفضائيات، الانترنت)، استطاعوا أن يثبتوا أنهم الأجدر بحمل مشعل الترويج القيمي للأفكار والمعتقدات والطقوس.


للثورة الإعلاميَّة دور:
لكن بعيداً عن هاته التنظيرات لابد من الإشارة إلى استحالة فصل العلاقة بين المُتعلِّم والمُدرِّس عن المنظومة التربويَّة كلها. فهاته المنظومة هي التي تحدد طبيعة هاته العلاقة انطلاقاً من تصورها الإنسان بشكل عام، وما النموذج المرغوب فيه. وطبعاً هذا النموذج لا ينفصل عن اختيارات سياسيَّة يتحكَّم فيها النظام القائم. ويُؤكِّد "مشواط" أنّ الدليل على هذه الاستحالة هو أنّ المُدرِّس ومعه المدرسة لا تزال مثار صراع بين الراغبين في احتكار مجال ترويج الحقيقة، ويعدون أنّ المدرسة عبر قناتها الرئيسة الأداة الرئيسة للمنظومة التربويَّة في نقل القيم وإعادة إنتاج الأدوار، وتحويل طفل اليوم الذي يشكل راشد الغد إلى عضو فاعل قادر على القيام بأدواره الاجتماعيَّة، متمثلاً للمعايير والقيم والتوجهات التي تحكم الجماعة، لكن الثورة الإعلاميَّة التي يمكن أن نَعُدُّه أهم تعبيراتها هي إمبريالية الصورة أحدثت اختلالات كبيرة على مستوى صورة المدرسة والمُدرِّس، إذ لم يعد قادرا على تشكيل النموذج المحتذى.

أسباب مُتعدِّدة:
أما حسن الصايم الإطار الإداري في إعدادية العقيد العلام في المحمدية فيرى أنّ العلاقة بين المُدرِّس والتلميذ من المفروض أن تكون علاقة الاحترام والانضباط، خاصة تلك التي ينظمها القانون الداخلي لكل مؤسسة تعليميَّة، لكن للأسف يضيف الصايم خلال السنوات الأخيرة بدا جلياً وجود توترات تقلق الأسرة التعليميَّة والآباء، وتتمثل هذه التوترات في موجة الاعتداءات على الأساتذة من قِبَلِ عدد من المُتعلِّمين لعلها ترجع إلى أسباب عدة بعضها خطير جداً، كانتشار المخدرات داخل وخارج فضاء المُؤسَّسات التعليميَّة، وإقدام بعض المُتعلِّمين والمُتعلِّمات على اقتناء الخمور وإدخالها إلى المؤسسة، وما حادث العثور على قناني خمر داخل محافظ ثلاث تلميذات قبل شهر ونصف إلا خير دليل على الكارثة التي وصل إليها تعليمنا، بالإضافة إلى انتشار المتسكعين خارج المُؤسَّسات التعليميَّة رفقة بعض كلابهم (كالبتبويل)، حيث يتحرشون بالتلميذات والأستاذات أو يبيعون المخدرات والقرقوبي وغيرها من المحرمات، زد على ذلك بحسب المتحدث فقدان الرعاية الاجتماعيَّة، فإننا نلاحظ أنّ أغلب التلاميذ الذين يشاكسون آباءهم مغلوبون على أمرهم، والتلميذ يصبح فرعون زمانه، وهو الآمر والناهي، والويل للأستاذ في حال اتخاذ إجراءات تأديبية صارمة. كما أن التلميذ بحسب الإداري لا يجد الفضاء المناسب والمريح للتعلُّم حيث يبدأ بحائط المؤسسة المخرب وغير المصبوغ ثم الباب المكسر فقاعات الدرس المنهكة حيث غياب النوافذ والسبورات مترهّلة وانتشار الخدوش كل هذا وغيره كثير يدفع التلميذ(ة) إلى اللامبالاة، ومن ثمَّ تكون النتائج عكسيَّة والمؤسسة لا فائدة منها، خصوصا إذا تمّ ربط ما سبق بكثرة المعطلين الحاصلين على شواهد عليا خصوصا ما يقع أمام البرلمان وتتناقله وسائل الإعلام عالمياً.

أرقام مهولة:
العلاقة بين المُتعلِّم والتلفاز لها تأثير سلبي في المُدرِّس والسير العادي للدراسة، فإن (%10) من القاصرين المُدرِّسين الذين لا يتجاوز سنهم السادسة، بحسب الباحث مشواط، يشاهدون التلفزة بعد التاسعة ليلاً، ذلك لأنّ القيم التي تنقلها المدرسة وتود بثها ليست بالضبط هي التي تقدمها التلفزة، بل إنّ المحتويات العنيفة الجنسية والعنصرية تؤثر سلباً في الاندماج الاجتماعي لهؤلاء الأطفال، كما تحدث تغييراً في قيمهم وقواعدهم الاجتماعيَّة.
وإذا كانت هذه الدراسة، وهي تقدم هذه الأرقام، قد همت فئة عمريَّة مُحدَّدة، فإنها بالمقابل تحيل على ما يمكن أن يشكله ذلك من أثر على مستوى سلوك المراهق الذي يمتاز بعدم الثبات في المواقف، والرغبة في الاستقلاليَّة وتحقيق الذات والتمرد على سلوك الراشدين، ومحاولة بناء نماذج مستقلة في فهم العالم.
وإذا حاولنا التساؤل عن أسباب تفوق التلفزيون على المدرسة والأسرة، فإننا سنكون بالضرورة مطالبين بالتعرُّض إلى وظائف التلفزيون، وبخاصة تلك المرتبطة بالترفيه، فهو ليس ''مجرد وسيلة للتسلية أو التخلص من التوتر، إنه أيضاً وسيلة كي نصبح اجتماعيين ونتعلم الأدوار والقواعد والقيم. أيضا في المغرب حيث يعاني أكثر من نصف ساكنيه من الأمية، يمكن لحجم مساهمتها في تنشئة الطفل أو المراهق وتشكيل معارفه أن يصل إلى حدود (75%)".

وبلغة الأرقام أثبتت الدراسة أنّ الأطفال ما بين (4-12) سنة يمضون (990) ساعة سنوياً أمام شاشة التلفاز مقابل (960) يقضونها في المدرسة. الأطفال يشاهدون التلفزة بمتوسط (218) دقيقة يومياً، بينما يمضون (300) دقيقة في المدرسة.

 

حلول واقتراحات:
وعن الحلول التي يراها "د. الصايم" وزميله "الطاهري الشرقي" المُدرِّس بنواحي قلعة السراغنة من أجل تجاوز هذا المأزق أجمعا على ضرورة توفير الحماية للمُدرِّس، وتوفير فضاء مدرسي رحب وجذاب، مع تقليص عدد التلاميذ داخل المُؤسَّسات التعليميَّة، فإنّ أغلب الإعداديات والثانويات تضم ما بين (800) إلى (2000) تلميذ(ة) مما يجعل المؤسسة وكراً لكل أنواع التخريب، بحيث يصعب التحكُّم التربوي بهذه الأعداد الهائلة، والذين لا يجدون حتى الساحة للتنفس، كما ألح المتحدثان على ضرورة الاعتناء بفضاء المؤسسة التربويَّة، وإعادة التقدير إليها وتجهيزها بكل وسائل العمل وتجهيز المختبرات وقاعات مُتعدِّدة الوسائط وتعميمها دون إغفال توفير الملاعب الرياضيَّة المجهزة بكافة التجهيزات الرياضيَّة، عكس ما هو كائن حالياً دون إغفال ما أسماه الصايم ضرورة الاهتمام بالمُدرِّس كفاعل حقيقي، وتحسين وضعيته الماديَّة والاجتماعيَّة ومنحه دوره الاعتباري.

وعَدَّ المتحدث تخصيص (600) تلميذ(ة) لكل حارس عام بالعمل المنهك والصعب، ودعا إلى تقليص العدد إلى النصف على الأقل بالنظر إلى المهام المنوطة به في ظل قلة الأطر الإداريَّة، فيما سجل الشرقي غياب دور الأسرة، ممثلة في جمعية آباء وأمهات التلاميذ، والتي من المفروض أن تعطي القيمة الحقيقيَّة للمُؤسَّسات التعليميَّة وإبراز دورها الحقيقي. فيما أبرز
"د. مشواط" أنّ أهمية مشاهدة التلفاز والإبحار في الانترنت لها أهمية كبرى في نفسيَّة الطفل أو التلميذ لكن لا بد من ترشيدها وتنظيمها ومراقبتها حتى لا تنعكس بالشكل السلبي على المسار التعليمي للمُتعلِّم كون هذه التكنولوجيا سلاحاً ذا حدين.



خالد السطي

المصدر: مجلة المُدرِّس