أهمية كراسة إعداد الدروس

د. مسعد محمد مزيان

تكثر شكوى بعض المُعلِّمين من اهتمام المسؤولين بكراس وإعداد الدروس المعروف بدفتر التحضير، فما هذا الكراس؟ وما جدواه في العملية التعلميَّة؟ ولم يشكو منه المُعلِّمون؟



ما دفتر التحضير؟ هو مجموعة من خطط عمل مُنظَّمة، يسعى المُعلِّم إلى تحقيقها والوصول إلى أهدافها، منذ بداية العام الدراسي حتى نهايته ومن هذه الخطط:

  1. خطة أهداف كل مادة.
  2. وخطة الدروس الصفيّة.
  3. وخطة توزيع الموضوعات على الأشهر والأسابيع. والتوقيت الزمني لتنفيذ الحصة. وإذا كان دفتر التحضير يضم مجموعة من الخطط، فان خطة إعداد الدروس، وأهميتها تكمن في أنها صاحبة العلاقة الوثيقة بالتلميذ، وهي موضوع شكوى المُعلِّمين، لتجددها كل يوم وتجدد الجهد المبذول في إعدادها. وإذا كان الأمر كذلك، فإنه يحسن بنا أن نعرف هذه الخطة، فما هي؟

خطة إعداد الدروس هي:

عملية فكريَّة، والهدف منها رسم صورة واضحة لما سوف يقوم به المُعلِّم في أثناء الدرس، ويتم تنظيمها كتابياً بوساطة كراس التحضير.
والآن، بعد أن عرفنا دفتر التحضير، والتحضير نفسه، يجدر بنا أن نقف عند أسباب شكوى بعض المُعلِّمين منه. ولعل أهم هذه الأسباب:

  • قصور نظرة بعض المُعلِّمين إليه، فهم لا يرون فيه سوى جهدا كبيرا لا طائل تحته، ولا غنى لهم فيه ولا تلاميذهم، وهذا النفر من المُعلِّمين لا ينتفعون حقاً بدفتر التحضير دون مضمونه، فإمّا أن ينقلوا فيه معلومات وأهدافا لا تعنيهم، وإمّا هو لإرضاء متابعي أعمالهم فحسب.
  • أن تحضير الدروس يستغرق وقتا طويلا، والذي يعدُّه المُعلِّم ملكاً له، فهو يرى الموظف خاليا من العمل بعد انتهاء ساعات الدوام الرسميَّة، فلماذا يطالب هو بالعمل بعد انتهاء ساعات دوامه؟ لقد أقام المُعلِّم محكمته، ورفع أمامه قضيته مدافعا عنها، وحكم لنفسه فيها، ونفذ الحكم على أتم قناعة بأنه على حق، ناسيا أن طبيعة مهنته تختلف عن طبائع المهن الأخرى، وأنه لا يصح أن نساويها بغيرها في الواجبات دون أن نساويها بها في الميزات والحسنات.
  • عدُّ أن دفتر التحضير لا يضم سوى المعلومة، وهذه المعلومة موجودة في الكتاب وفي رأس المُعلِّم، فلماذا يكتبها إذاً؟ إنه لا يكتبها إلا لإثبات تعاونه مع المسؤولين، وكسب رضاهم.
  • كون درجة التحضير لا تتناسب مع الجهد المبذول فيه، فمن مئة درجه في بطاقة (توجــه المُعلِّم وتقــويمه)، اقتصرت المهارة في عرض الدروس وإدارة الصّف على سبع درجات فقط، وما أغنى المُعلِّم عنها.
  • عدم إجادة كثير من المُعلِّمين لإعداد الدروس كما يريد رؤساؤهم، إما لأنهم لم يتعلَّموا طريقة الإعداد التي يريدون. وإما لتغير أساليب الإعداد، من وقت إلى آخر ومن مسؤول إلى آخر.

أهمية دفتر التحضير للمُعلِّم أولاً:

إذا كان دفتر التحضير مجموعة من الخطط كما أسلفنا، فإن أول المستفيدين من هذه الخطط هو من خَطَّط، ويمكن تلخيص الفوائد التي يجنيها واضع هذه الخطط بما يأتي:

  1. أنه يحدد أهدافه، فتتضح أمامه، ويسعى للوصول إليها بأقصر الطرائق وبأقل جهد، شأنه شأن كل من يسعى إلى هدف شاخص أمامه.
  2. ينمو المُعلِّم بالتحضير من الناحيتين العلميَّة والمهارية فبالعلم وتدوينه تنمو معرفته، ويتعود التنظيم والتفكير المنطقي، وترتقي مهاراته.
  3. يثق بنفسه ويثق تلاميذه به، عندما تتحقق أهدافه معهم بيسر، وبعيدا عن الأخطاء.
  4. يسهل عليه اكتشاف عيوب المناهج التي يدرسها، عندما يضع لها الأنشطة المناسبة، ويتصور المواقف التعلميَّة الصالحة له، ويتعرَّف على نوعيَّة أهدافها، ومدى ملاءمتها لتلاميذه.
  5. يرضي ربه إذ يؤدي واجباً من واجبات عمله، كما يرضي رؤساءه بنجاحه في عمله، ويرضي أولياء أمور تلاميذه إذا نجح أبناؤهم.
  6. في دفتر التحضير يثبت المُعلِّم، معلومات الدرس الرئيسة، وبذلك ترسخ هذه المعلومات في ذهن كاتبها، ويعرف ‌‌‌‌حدودها فيقف عندها، فإن احتاج إلى الرجوع هذه المعلومات ولو في الصف جاز له.
  7. في دفتر التحضير يدون المُعلِّم الطريقة المناسبة لدرسه، والأنشطة المصاحبة والوسيلة الموصلة إلى أهدافه منه.
  8. من دفتر التحضير يعرف المُعلِّم موضوع درسه، إذ يؤشر فيه على الموضوعات التي تمت دراستها، وبدون ذلك، فإنه من العسير على المُعلِّم أن يعرف أين وقف بتلاميذه في كل صف وكل مادة.
  9. في دفتر التحضير، يضع المُعلِّم المادة العلميَّة لبعض المواد أو يختارها، وبخاصة في المواد التي لا كتب لها، كالتعبير والإملاء، وبدون هذا الدفتر، سيكون عمل المُعلِّم عشوائيا يعوزه التخطيط والتنظيم.
  10. من دفتر التحضير يتعلَّم المُعلِّم الجديد من زميله القديم ما لا تكفيه عشرات المحاضرات، فهو يقف فيه على ذوقه وعلمه وأساليبه، لذلك فإننا ننصح دائماً أن تبقى دفاتر المُعلِّمين المُتميِّزين في مدارسهم ليقتدي بها المُعلِّمون الجدد.

ومن كل ما تقدم، تتضح لنا أهمية دفتر التحضير، حتى للمُعلِّم القديم، الذي لا تشفع له سنوات خدمته الطويلة في إعفائه من عنائه.

أهمية دفتر التحضير للطالب:
إذا كان التحضير مجدياً للمُعلِّم وهو مُنشِؤه، فإنه للطالب أكثر جدوى إذ ينعكس أثره الإيجابي عليه فهما وتنظيماً. عندما يتلقى معلومات أعدت إعداداً حسناً، ووضعت في جداول، فبذلك تتحقق أهدافنا في التربية والتعليم دون أن يعلم الطالب. ولا شك في أّنّ ما يقدمه المُعلِّم من تسلسل في العرض، واستحضار للأمثلة المعاصرة المناسبة، وعرض الوسائل التعليميَّة النافعة وطرح الأمثلة المثيرة للتفكير، الداعية إلى المشاركة في الدرس، له أطيب الأثر في نفس التلميذ، مما يخلصه من العقد والإحباطات، ويجعل منه مشاركاً متذوقاً للدرس، لا مجرد مصغ يكره الإصغاء، وطالب علم يكره التعلُّم.

أهمية دفتر التحضير بالنسبة إلى مدير المدرسة، والموجه، وإلى أي زائر مسؤول:
دفتر التحضير أحد ضوابط العمل التربوي وأحد مستلزماته الرئيسة، فكما لا يمكن الاستغناء عن الكتاب والسبورة ودفتر الواجبات كذلك، لا يمكن أيضاً الاستغناء عن دفتر التحضير ففيه العمل وخطة تحقيقه. وإن كنا تعرفنا على أهميته للمُعلِّم وللتلميذ، فماذا عن أهميته بالنسبة إلى الموجه والزائر؟ لا شك في أنّ هذا الدفتر مرآة أعمال المُعلِّم وسجل بصماته، فهل يوجد من لا تدل عليه صورته وبصمته؟  فما أبرز ملامح هذه الصورة المنعكسة في المرآة أو في دفتر التحضير؟

  1. الجدية في العمل والانضباط فيه، فالمُعلِّم الجاد يحرص على اصطحاب دفتر التحضير إلى كل صف، كما يحرص على عرضه على المسؤول في المدرسة كلما وعى لذلك.
  2. يمكن المُعلِّم من مادته وامتلاكه ناصيتها، فالمُعلِّم المتمكن لا بدّ له من أن تظهر آثار علمه وثقافته في أسلوب عرضه وأنشطته ووسائله.
  3. لغة المُعلِّم، فالمُعلِّم الكفء لا بد من أن تظهر كفايته في سلامة لغته المكتوبة.
  4. خطة المُعلِّم الصفيَّة، وإتقان الخطة دليل على فضل المخطط، وعلمه بأهداف عمله.
  5. خطة توزيع موضوعات المُقرَّر على أشهر الفصل وأسابيعه، ومدى التزام المُعلِّم بتنفيذها.
  6. أهداف كل مادة دراسيَّة أو مُقرَّر، ونقصد بها الأهداف البعيدة التي لا تتحقق في حصة واحدة، وإنما يلزم لتحقيقها تدريس المنهج كاملاً، كالارتقاء بالتذوق الأدبي، ورفع كفاءة التلميذ التعبيرية، وأمثالها.
  7. الإعداد النفسي والذهني للدرس، والإعداد الكتابي شاهد له حيث لا شاهد غيره إلا الله سبحانه.
  8. متابعة المدير أعمال مُعلِّميه، فالمدير الناجح يحرص على متابعة أعمال مُعلِّميه من إعداد دروس إلى إعداد الخطط وتنفيذها، إلى الإشراف على الوسائل وأعمال التلاميذ التحريريَّة.
  9. جدول المُعلِّم الذي يشمل حصصه الأسبوعية، وحصص الاحتياط، وجماعات النشاط التي يساهم فيها.

ومما تقدم يتضح أن الموجه أو الزائر المُخصَّص، يستطيع أن يحكم على المُعلِّم من كراس تحضيره على الرّغم من أن عمل المُعلِّم عمل معقد لا يشكل الجزء الكتابي منه سوى جزءاً قليلاً، بينما يستأثر التلميذ وما سواه بأكثر الأجزاء، ولكن هذه القلة لا تعني نفي الأهمية أو الانتقاص منها، لأنها تقود إلى الكثرة، ولا غرابة في ذلك فخطة أي شيء هي أهم ما فيه على الرغم من قلة تكاليفها، واجتراء من لا يتقنوها عليها.

وبعد فبم ترد على من يزعم أن المُعلِّم قد ينجح دون اعتماده دفتر التحضير؟ لا بد من أن نقول إنّ النجاح درجات، فإن أحرز بعض المُعلِّمين نسبة من النجاح دون دفتر التحضير، فإنهم بالتأكيد قادرون على النجاح بنسبة أكثر لو حضروا، وما بعض النجاح الذي أحرزه إلا نتيجة تفوق لا يتوفر للجميع، وجهد فردي لا يصح أن يقاس عليه، وقد يكون مرده مواهب خاصة أو خبرة مُتميِّزة. ولهذا النفر نقول: ربما صدر اتهامكم لدفتر التحضير عن جهل بقيمته، وربما عن كسل وضن بالجهد، وربما عجز وتقصير، وربما عنها جميعاً، ولكن من المؤكد أن المُعلِّم الناجح لا يشكو من دفتر التحضير ولا ينكر أهميته.

ضن الجهد: البخل بالجهد.



أهمية كراسة إعداد الدروس