أهمية الوسائل التعليمية والقواعد لاستخدامها

وكلما كانت الخبرات التعليميَّة التي يمر بها المُتعلِّم أقرب إلى الواقعيَّة، أصبح لها معنى ملموساً وثيق الصلة بالأهداف



تتبوأ الوسائل التعليميَّة مكانة مرموقة بين المدخلات التربويَّة لتعدَّد فوائدها وتحظى بأهمية بالغة لدى المُعلِّمين والمُخطِّطين التربويين لما لها من أهمية لأنها تؤدي إلى استثارة اهتمام الطالب وإشباع حاجته إلى التعلُّم فلاشك في أنَّ للوسائل التعليميَّة المختلفة كالرحلات والنماذج والأفلام التعليميَّة والمُصوَّرات تقدم خبرات مُتنوِّعة يأخذ منها كل طالب ما يحقق أهدافه ويثير اهتمامه، فالطالب الذي يخرج في رحلة إلى شاطئ البحر قد يجدر في اللعب والسياحة ما يشبع حاجته في نفسه بينما يهتم آخر بجمع الأصداف والقواقع وإثارة كثير من الأسئلة حولها.

وكلما كانت الخبرات التعليميَّة التي يمر بها المُتعلِّم أقرب إلى الواقعيَّة، أصبح لها معنى ملموساً وثيق الصلة بالأهداف، وكذلك يمكن عن طريق استخدام الوسائل التعليميَّة تنويع الخبرات الـتي تهَيِّئُها المدرسة والممارسة والتأمل والتفكير فتصبح المدرسة بذلك حقلاً لنمو الطالب في جميع الاتجاهات وتعمل على إثراء مجالات الخبرة التي يمر بها، وبذلك تشترك جميع حواس الطالب في عمليات التعلُّم مما يؤدي إلى ترسيخ وتعميق هذا التعلُّم، وتساعد الوسائل التعليميَّة على تكوين علاقات مترابطة مفيدة راسخة بين كل ما يتعلَّمه الطالب وذلك عندما تشترك الحواس في تشكيل الخبرة الجديدة وربطها بالخبرات السابقة، ونرى أن الوسائل التعليميَّة إذا أحسن المُعلِّم استخدامها وحدِّد الهدف منها ووضّحها في ذهن الطالب أدَّى ذلك إلى زيادة في مشاركة الطالب الإيجابيَّة في اكتساب الخبرة وتنميَّة قدرته على التأمل ودقة الملاحظة واتباع التفكير العلمي، ويؤدي هذا الأسلوب إلى تحسين نوعيَّة التعلُّم ورفع مستوى الاداء لدى الطالب.
كما نرى أنَّه يمكن عن طريق الوسائل التعليميَّة تنويع أساليب التعليم لإزالة الفروق الفرديَّة بين الطلاب فمن المعروف أنَّ الطلاب يختلفون في قدراتهم واستعداداتهم فمنهم من يحقق مستوى عالياً من التحصيل عند الاستماع للشرح النظري للمُعلِّم وتقديم أمثلة قليلة، ومنهم من يزداد تعلُّمه عن طريقه الخبرات البصريَّة مثل مشاهدة الأفلام أو الشرائح.

 

أسس اختيار الوسائل التعليميَّة

 

تجدر الإشارة في هذا البحث إلى أن استخدام الوسائل التعليميَّة لا يكون عشوائياً لأَّن هناك أسساً ومعاييرَ يجب أن يأخذها المُعلِّم في الحسبان عند اختيار الوسيلة التعليميَّة وسنعرض في هذا البحث بعض المعايير لاختيار الوسائل التعليميَّة.

  1. توافق الوسيلة مع الغرض الذي نسعى إلى تحقيقه منها، كتقديم المعلومات أو اكتساب الطالب لبعض المهارات فالأفلام المُتحرِّكة مثلاً تصلح لتقديم المعلومات التي يكون فيها عنصر الحركة أساسياً فيها.
  2. صدق المعلومات التي تقدمها الوسيلة ومطابقتها للواقع وإعطاء صورة متكاملة عن الموضوع ولذلك يجب أن نتأكَّد من أن هذه المعلومات ليست قديمة.
  3. صلة محتويات الوسيلة بموضوع الدرس ولذلك يجب على المُعلِّم تجربة الوسيلة والتعرُّف على محتوياتها قبل عرضها على الطلاب في الحصة.
  4. أن تكون الوسيلة سليمة المظهر والجوهر أو أُعِدَّتْ لأغراض تربويَّة لتزويد الطلاب بالمعلومات الدقيقة والنافعة. وأن تكون الوسيلة هي الأفضل من نوعها بحيث يستغنى بها عن غيرها إذ لا فائدة ترجى من ازدحام الموقف بالوسائل التعليميَّة دون حاجة حقيقيَّة إلى القواعد العامة لاستخدام الوسائل التعليميَّة وتقويمها.

 

نرى أننا كي نحصل على أكبر فائدة من استخدام الوسائل التعليميَّة يجب على المُعلِّم أن يتبع الخطوات الآتية التي تكون في مجموعها خطة عامة متكاملة لاستخدام هذه الوسائل وتشمل المراحل الآتية.

 

  1. مرحلة الإعداد

 يحتاج الأمر إلى إعداد أمور كثيرة تؤثر جميعها في النتائج التي نحصل عليها والأهداف التي نسعى إلى تحقيقها.

  • إعداد الوسيلة: فمن الضروري أن يتعرف المُعلِّم الوسائل التي وقع اختياره عليها ليتعرف على محتوياتها وخصائصها ونواحي القصور فيها كما يقوم بتجربتها وإعداد خطة لاستخدامها فيجب أن يشاهد الفيلم قبل عرضه أو يستمع إلى التسجيلات الصوتيَّة مُسبَقاً أو يقوم بإجراء التجارب قبل عرضها على الطلاب أو بفحص الخرائط الموجودة وليعرف مدى مناسبتها لموضوع الدرس وأهدافه.
  • رسم خطة للعمل: بعد أن يتعرف المُعلِّم محتويات الوسيلة ومدى مناسبتها لأهداف الدرس يضع لنفسه تصورا مبدئيا عن كيفيَّة الاستفادة منها فيقوم بحصر الأسئلة والمشكلات أو الكلمات الجديدة التي تساعد الوسيلة على الإجابة عنها ثم يخطط لكيفيَّة تقديمها لأنواع الأنشطة التعليميَّة التي يمارسها الطالب.
  • تهيئة أذهان الطلاب: وذلك بأن يصل المُعلِّم عن طريق المناقشة والحوار إلى إعطاء صورة عن موضوع الوسيلة المستخدمة وصلتها بالخبرات السابقة للطلاب وأهميتها لكي يدرك الطلاب بوضوح الغرض من استخدام الوسيلة وماذا يتوقع المُعلِّم منهم نتيجة لذلك ويحسن بالمُعلِّم لو أن يقوم بحصر هذه الأسئلة والمشكلات بعد المناقشة وكتابتها على السبورة مع إضافة الكلمات والمفاهيم الجديدة التي يتناولها موضوع الدراسة ومن المُعلِّمين من يُعِدُّ هذه المناقشة سلفا ويقوم بطباعتها وتوزيعها فتدور حوله بمناقشة مبدئية مثل السير في الدرس أو عرض فيلم أو إجراء التجربة أو القيام برحلة حتى يصبح بذلك لهذه الخبرة هدف واضح يسعى الطلاب من ورائه إلى الحصول على المعرفة التي تساعدهم على الإجابة عن هذه الأسئلة أو حل ما أثير من مشكلات مُحدَّدة.
  • إعداد المكان: من أكثر ما يقلل استفادة الطالب مما يستخدم المُعلِّم من الوسائل التعليميَّة من أن يرى عدم اهتمام المُعلِّم بتهيئة المكان الذي يساعد على الاستفادة من هذه الوسائل كأن يغفل الدرس (إعتام الغرفة) الخاصة بالعروض الضوئيَّة ولا يتبين ذلك إلا عند عرض الفيلم، إن الاهتمام بهذه العوامل يهيئ المجال المناسب لاستخدام الوسائل استخداما سليما يؤدي إلى زيادة الفائدة المرجوة منها.

 

  1. مرحلة الاستخدام

 تتوقف الاستفادة من الوسائل التعليميَّة إلى حد كبير على الأسلوب الذي يتبعه المُعلِّم في استخدام الوسائل ومدى اشتراك الطالب اشتراكا إيجابيا في الحصول على الخبرة عن طريقها ولمسؤوليَّة المُعلِّم في هذه المرحلة عدة جوانب.

  • تهيئة المناخ المناسب للتعلُّم: وهو أن يتأكَّد المُعلِّم في أثناء استخدامه للوسائل التعليميَّة من أنّ كل شيء يسير وفق ما خطط له فعليه أن يلاحظ وضوح الصوت والصورة في أثناء عرض الأفلام أو أن الصور والخرائط المعلقة أو المواد المعروضة في مكان يسمح للجميع بمشاهدتها أو أن صوت التسجيلات الصوتيَّة يصل إلى جميع الطلاب.
  • تحديد الغرض من استخدام الوسيلة : وهنا يجب على المُعلِّم أن يحدد لنفسه الغرض من استخدام الوسيلة التعليميَّة في كل خطوة في أثناء سير الدرس فقد يستخدم المُعلِّم الفيلم للتقديم لدرس جديد أو يستخدمه لشرح الدرس أو تلخيصه أو لتقويم تحصيل الطلاب وبالمثل قد يطلب المُعلِّم من طلابه مشاهدة شرائح مجهرية تحت الميكروسكوب لمعرفة محتويات الخلية وقد يطلب منهم الذهاب إلى المكتبة للاطلاع والقراءة والإجابة عن بعض الأسئلة وبذلك تحقق كل وسيلة هدفاً من أهداف الدرس المُحدَّد ويجب أن يحرص المُعلِّم على أن يتخذ التلميذ موقفا إيجابياً من استخدام الوسيلة التعليميَّة فيشترك بمفرده أو في مجموعات لاختيار الوسيلة التعليميَّة المناسبة كاختيار الأفلام مثلاً أو إعداد الرحلات أو عمل مُصوَّرات أو إعداد اللوحات كما يشترك في إثارة الأسئلة و صياغة المشكلات التي تتصل بموضوع الوسيلة المستخدمة وبالمثل يجب أن يشتركوا في تحمُّل مسؤوليَّة إعداد الصَّفَّ وتشغيل الأجهزة، الأمر الذي يجعل من استخدام الوسائل عمليَّة تعليميَّة متكاملة تعمل على إثراء خبرة الطالب ومن الأمور الضروريَّة في استخدام الوسائل التعليميَّة أن يعمل المُعلِّم على الاستفادة منها كوسيلة للتعلُّم ولا يقتصر على استخدامها كمجرد وسيلة للتوضيح أو التدريس ففي الحالة الثانية يكون موقف الطالب منها موقفا سلبيا مهمته أن يستقبل المعلومات التي نقدمها إليه، أما في الحالة الأولى فالطالب له دور إيجابي يخطط مع المُعلِّم على تحقيقه حيث يكون الهدف واضحا في ذهن كل من المُعلِّم والطالب على السواء ويتبع المُعلِّم كثيرا من الأساليب التي تساعد على المزيد من التفاعل بين الطالب والمواد التعليميَّة ومن أمثلة هذه الأساليب أن يشاهد الطالب الفيلم للإجابة عن بعض الأسئلة أو يشاهد إجراء إحدى التجارب ليجيب على بعض المشكلات أو يقوم بفك أحد النماذج ليتعرف مكان كل جزء من النموذج وعلاقته بالأجزاء الأخرى .

 

  1. مرحلة التقويم:

 كثيرا ما تنتهي مهمة الوسائل التعليميَّة عند المُعلِّم على الفور بعد الانتهاء من استخدامها فينصرف الطلاب مباشرة بعد عرض الفيلم أو إجراء التجارب أو عرض الخرائط أو مشاهدة البرنامج التلفزيوني…الخ. ويُعَدُّ ذلك استخداماً مبتوراً للوسائل التعليميَّة لا يؤدي الغرض من استخدامها، ولكي تحقق الوسائل التعليميَّة الأهداف التي رسمها المُعلِّم لاستخدامها يجب أن يعقب ذلك فترة للتقويم لكي يتأكَّد المُعلِّم أن الأهداف التي حددها قد أنجزت وأن التعلُّم المنشود قد تحقق وأن الوسيلة التي استعملها تتناسب مع هذه الأهداف فإذا سبق عرض الفيلم حصر بعض الأسئلة أو إثارة بعض المشكلات فإنه يتوجب على المُعلِّم الإجابة عن هذه الأسئلة والتوصَّل إلى الحلول المناسبة لهذه المشكلات ويمكن أن يتم ذلك شفهيا عن طريق المناقشة أو الكتابة، وبذلك يقوم المُعلِّم بتعزيز الإجابة الصحيحة وفي الوقت نفسه يقوم المُعلِّم بتقويم الوسيلة التي استخدمها من جميع النواحي من حيث مناسبتها من ناحية المادة وطريقة العرض لمستوى الطلاب والهدف من الاستعانة بها ويحتفظ بهذا التقويم في سجلاته عندما يعود إلى استخدامها في المرات القادمة ليعرف متى وكيف يستخدمها لتحقيق تعلُّم أفضل. وهنا نؤكد مما سبق على أنه على المُعلِّم أن يبتعد عن أساليب التقويم التقليديَّة كأن يسأل الطلاب عن رأيهم فيما شاهدوه؟ ويتجه إلى الأسئلة المُحدَّدة الموضوعيَّة حتى يتعرف على وجه الدقة ما حققه الطالب وما فاته تحقيقه حتى يكون أقدر على تحديد نقط الضعف وطرائق علاجها.

 

  1. مرحلة المتابعة:

من المفروض أن اكتساب الخبرة يؤدي إلى زيادة الرغبة في تنميَّة هذه الخبرة واكتساب خبرات جديدة وينبغي أن يعمل المُعلِّم عن طريق استخدام الوسائل التعليميَّة إلى تحقيق ذلك. ولا شك في أنَّ مشاهدة الفيلم أو إجراء تجربة أو القيام برحلة أو الاستماع إلى شريط مسجل سوف يجيب عن بعض الأسئلة التي أثارها موضوع الدرس ويثير في الوقت نفسه تساؤلات كثيرة تتصل بهذه الأسئلة كما يختلف الطلاب بدرجات متفاوتة في مدى الاستفادة من هذه الوسائل التعليميَّة و لذلك يجب على المُعلِّم أن يقوم بتهيئة مجالات الخبرة لاستكمال واستمرار عمليَّة التعلُّم ولذلك يعقب استخدام الوسائل التعليميَّة كثير من المناقشة و الحوار للإجابة عما أثير من أسئلة وتوضيح المفاهيم الجديدة وربطها بالخبرات السابقة عن طريق بيان أوجه الشبه والخلاف بينها. وقد يحتاج الأمر إلى إعادة عرض الفيلم أو التجربة أو إجراء تجارب جديدة أو دراسة بعض العينات والنماذج أو القيام برحلات جديدة أو الذهاب إلى المكتبة لتكملة البحث عن طريق القراءة والاطلاع ويعمد بعض المُعلِّمين إلى تقسيم الفصل إلى مجموعات أو لجان تتولى كل منها إنجاز أحد هذه الأعمال فمنهم من يتجه إلى المكتبة ومنهم من يقوم بعمل معرض أو لوحة حول موضوع الدراسة ومنهم من يكلف بالبحث عن فيلم آخر وعرضه على طلاب الصفّ ثم تنصرف كل مجموعة إلى إنجاز عملها تحت توجيه وإشراف المُعلِّم وبعد أن تنتهي من عملها يجتمع طلّاب الصّف كلهم ليستمعوا ويشاهدوا ويناقشوا ما قامت به كل مجموعة و يربط هذه المعرفة المختلفة ببعضها مما يؤدي إلى إثراء خبرة الطالب بموضوع الدراسة و إلمامه بجميع نواحي الموضوع وتكوين مفاهيم متكاملة حوله.