أزمة التعليم في أمريكا !



إنّ أهمية التعليم مسألة لم تعد اليوم محل جدل في أيّ منطقة من العالم، فالتجارب الدوليَّة المعاصرة أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أنّ بداية التقدُّم الحقيقيَّة بل والوحيدة هي التعليم وأنّ كل الدول التي قطعت شوطاً كبيراً في التقدُّم، تقدمت من بوابة التعليم، وأنّ الدول المُتقدِّمة تضع التعليم في أولوية برامجها وسياستها.


ومن الطبيعيّ أن يكون للتحويلات والتغيُّرات العالميَّة انعكاساتها على العملية التعليميَّة في شتى بقاع العالم كونه نظاماً اجتماعياً فرعياً داخل إطار المنظومة المجتمعيَّة الشاملة.

يمر العالم بفترة غاية في الحساسية حيث ينتقل من قرن إلى قرن ومن نظام سياسيٍّ إلى آخر ومن نظام اقتصاديٍّ إلى نظامٍ مختلفٍ تماماً، فلقد مضى الزمن الذى يمكن فيه لأى دولة أن تتقوقع داخل حدودها وتكون بمعزل عن العالم وذلك لأن واقع ثورة الاتصالات قد تخطى حواجز الزمان والمكان.

 

والعالم بهذه المُتغيِّرات وغيرها يتجه نحو نظامٍ عالميٍّ جديد، متغيرٍ فيه نمط الحياة تماماً وأصبح يعيش حضارة الثورة الثالثة التي تشهد سرعة المُتغيِّرات، كما فرضت نوعيَّة جديدة من التكنولوجيا المُتطوِّرة والتي تحتاج إلى نوعيَّة معينة من العمالة القادرة على التحوُّل المهني من مهنة إلى أخرى في إطار التعليم المستمر.

الأمر الذي دعا الدول المُتقدِّمة والنامية على السواء إلى الاستعداد بالدراسات والتوقعات للتغيُّرات الحادثة والمستقبليَّة وما تطلبه من إصلاحات تعليميَّة جذرية وشاملة بهدف إعداد مواطنيها للتصدّي لهذه التحديات ومواكبة ثورة المعلومات والتكنولوجيا.

وإذا نظرنا إلى الدول الكبرى التي تتصارع على القمة اليوم نجدها تطور وتجدد في نظمها التعليميَّة وتحاول أن تدرس نظم التعليم الأخرى الموجودة في الدول المنافسة، والولايات المتحدة الأمريكية واليابان خير مثال على ذلك.

ويكفي للتدليل على ذلك ما صرّح به مستر "بنبيت" وزير التعليم الأسبق في الولايات المتحدة الأمريكية، أنّ التعليم في اليابان حقق بشكل واضح نجاحاً كبيراً في تزويد اليابان بقوة اقتصاديَّة قادرةٍ على المنافسة الشديدة في أسواق الاقتصاد العالميَّة، لذلك ضمن الخير لنا ونحن شعب ٌواقعيٌ وعملي أن نتعلم ما نستطيع تعلمه من النظام التعليمي في اليابان.

وعلى الرّغم من صعوبة اللغة اليابانية فلقد أرسلت الولايات المتحدة بعثات تعليميَّة وتربويَّة لترى كيف يتعلَّم اليابانيون وتتعرَّف على أساليبهم في التعليم.

 

ومع ظهور المد الياباني، ومع إحساس الأمريكان بأن اليَن الياباني استطاع السيطرة على السوق العالميَّة فقامت الدنيا ولم تقعد في أمريكا وأصدرت تقريرها الشهير بأنها في خطر وأعيد بناء التعليم بصفة عامة والأساس بصفة خاصة وتطوير الرياضيات والعلوم وكان ذلك في عهد الرئيس "ريجان"، ثم تابع الرئيس بوش اهتمامه بالتعليم وكان برنامج أمه من الطلاب ليوضح أهمية التعليم لبقاء أمريكا، كذلك استمر كلينتون على منوال من سبقوه الذي أكد على أنّ التعليم يشكل بعداً أساسياً لأمن أمريكا القومي.

وفى العام السابق (2000) صدرت استراتيجيَّة التعليم من عام (2001) إلى عام (2005) والتي أكَّدت في مقدمتها على دور التعليم في تكوين الدولة القوية وتتمركز تلك الاستراتيجيَّة على أربعة أهداف رئيسة هي:

  1. الهدف الأول: مد التعليم الأساسي لكل فرد.
  2. الهدف الثاني: تطوير تحسين النظام التعليمي الأمريكي بصفة عامة.
  3. الهدف الثالث: تحقيق تكافؤ الفرص في المرحلة الثانوية وما بعدها.
  4. الهدف الرابع: تطوير وزارة التعليم بما يتلاءم مع الأهداف السابقة.

 

بالإضافة إلى ذلك لاحظنا الملامح المميزة للحملات الانتخابية بين "بوش" الابن و "آل جور" حيث كان التعليم محور اهتمام كل حملة من تلك الحملات، وعندما تولى "بوش" الابن نفذ ما وعد به فقد أصدر تقريراً تحت مسمى "No Child Left Behind" لا تسريب لأي طفل وذكر فيه أنّ دور الحكومة الفيدرالية في التعليم لا يكمن في خدمة النظام بل يكمن في خدمة أولادنا وإضافة إلى قوله إننا منضمون إلى أُمّتين إحداهما تقرأ وتحلم والأخرى لا تقرأ ولا تتطلع إلى المستقبل، ص(1-3).

 

من كلّ ما سبق نجد أن التعليم يحتل مكانةً بارزة في اهتمامات الساسة في الولايات المتحدة وذلك من منطلق أنّ التعليم يعد سلاحاً حاسماً لتغيير الواقع والتصدي لعوادي المستقبل، وليس الهدف هنا هو عقد موازنة بين نظُم التعليم في الولايات المتحدة ونظم التعليم في العالم العربي بقدر ما هو توضيح لملامح تلك النظم ولرؤية كيف تعد هذه الدول نفسها للتعامل مع الحاضر التصدي لعوادي المستقبل عن طريق إعداد الإنسان القادر على التعامل ومستحدثات العصر والتكنولوجيا، وبدون كل ذلك فلا بديل أمامنا إلا الذوبان والفناء.

 

بقلم الدكتور "عنتر عبد العال"

 

المصادر

  1. محمد عبد القادر حاتم، التعليم في اليابان: المحور الأساسي للنهضة اليابانية، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، (1997).
  2. S. Department of Education، Strategic Plan (2001-2005)، September (2000).
  3. President George W. BUSH، No Child Left Behind، S. Department of Education (2001).

 

المصدر: مجلة المقالات