Teachers Without Goals,Students Without Purpcses

الكتاب: Teachers Without Goals,Students Wi¬thout Purpcses

المؤلف: هنري ج. بيركنسون

 

ترجمة: عبدالراضي إبراهيم
دار النشر: مكتبة الأنجلو المصرية ـ القاهرة
عرض: محسن خضر

إذا كانت الأهداف التربوية تمثل البوصلة التي توجه العمل التربوي، فإن التفكير في استبعاد الأهداف التربوية عند صياغة خطط التعليم تبدو صيحة مدهشة ولكنها تنطوي على قدر كبير من الموضوعية.إن فهم المعلم للعلاقة بين الدرس المحدد الذي يشرحه، وبين غايات المجتمع البعيد ومثله العليا من شأنه أن يمده بالفهم العميق لعمله، ويوجد ذلك التعاطف بينه وبين تلاميذه ويزود بالبوصلة التي تعينه على تحديد خطواته وتنظيم عمله.



والمؤلف حاول أن يقدم نظرة تربوية بديلة فكرتها الرئيسة تحرير المعلمين والمتعلمين من الأهداف والغايات، وهو يفترض أن المعلم لا يعلم على وجه الدقة ماذا يفعل، ولا يعلم ما يترتب على أفعاله. ويستند بيركنسون إلى نظرية المعرفة التطورية. وقد أوصله تحليله المستند إلى هذه النظرية إلى نتيجة خطيرة وهي أن الممارسة التربوية المعاصرة مبنية على نظرية خاطئة للمعرفة، وأن معظم المعلمين ليست لديهم مفاهيم صحيحة عن طبيعة المعرفة ولا عن مصادرها ولا عن كيفية نموها.ينتقد المؤلف اعتقاد أرسطو بأن التعليم يأتي من خارج الإنسان (النظرة الاستقبالية)، والتي لا تزال تهيمن على العملية التعليمية، وتجعل وظيفة المعلم تنحصر في ملء أدمغة التلاميذ الفارغة.ويأخذ المؤلف على فلاسفة الحداثة الذين أخطؤوا في تصويرهم للعقل البشري بأنه إناء فارغ يحتاج إلى ملئه بالمعرفة.

وربما كان (كومينوس) أول تربوي يقدم طريقة التدريس السابقة بفاعلية وشعارها (كل الأشياء لكل الناس بسرعة وعمق)، وهو ما سوف يهاجمه (روسو) بعنف رافضًا البحث عن الرجل في الطفل ولم يفكروا فيما يكون عليه الطفل قبل أن يصير ملكًا.ثم جاء (جون ديوي) ليمزج آراء (روسو) ونظرية التطور عند (لامارك)، ليخرج بالفكرة القائلة إن التعليم لا يتحقق إلا من خلال أسلوب حل المشكلات. ووفقًا لنظرية (ديوي)، فإن الطلاب لا يتلقون المعرفة، وإنما هم يكتشفونها، والمهمة التي على المعلمين القيام بها في الوقت الحاضر مواجهة الطلاب بمشكلات تمكنهم من اكتشاف المعرفة التي يريد المعلم أن يتعلموها.لا يزال الطالب سلبيًا ـ في رأي المؤلف ـ لأن بناء (ديوي) التربوي والتعليمي ما زال باقيًا في الاتجاه الأرسطي القائل إننا نستقبل المعرفة من خارجنا. ويقترح النظر إلى التربية على أنها عملية «نمو المعرفة»، ويأخذ على العديد من التربويين والمعلمين الذين يتحدثون عن التربية بمعنى النمو ولكن بمنظور قبل تطوري، تعني تراكم المعرفة من الخارج. ويتوقع (بيركنسون) أن نظرية التربية الداروينية ستحذف من التعليم الفكرة القائلة إنه يتعين على المعلمين أن تكون عندهم أهداف.

وينتقل المؤلف من هدم نظرية «الإناء» في التعلم إلى سلب غايات التعليم لدى الطلاب موضحًا أن البشر ليسوا مجرد أجهزة تلفاز مستقبلة للمعرفة. فإننا لا نستقبل المعرفة فقط وإنما نحن نعلم أنفسنا وننتج معرفتنا من ذواتنا، ولذا فإن المعرفة تأتي من البشر الذين يبدعون معرفتهم بأنفسهم. وبأسلوب شاعري يصيغ فكرته السابقة ويقول: يوجد عالم حقيقي في أعماق الإنسان، ينبثق منه فجأة نشاط يمثل تغذية راجعة سالبة، تتجلى واضحة عندما يجد المرء نفسه في مواجهة تحد فكري ومعرفي، ويجد استجابته، لم تكن ملائمة للتحدي، أو متكيفة معه، لذلك نجد أن نمو المعرفة ليس إلا عملية تكيف، وأن الإنسان يبتكر المعرفة به وأكثر من استقباله لها من الخارج.ويستفيض المؤلف في شرح نظرية التطور الداروينية ويقارن فيه الكائنات الحية التخمينية والداخلية التي تنمو من خلال عملية التعلم بالتجربة واستبعاد الخطأ، أما المعرفة البشرية فيمكن أن تكون معرفة موضوعية، معرفة مستقلة توجد عن الذات العارفة، وذلك بالتعبير عنها بالرمز، أي باللغة، كما أن المعرفة البشرية الموضوعية عبارة عن مجموعة معارف متنوعة منها مجموعة المعارف الطبيعية، والرياضية، والتاريخية، والجغرافية، والاجتماعية، والفلسفية.

وترتبط المعرفة البشرية بالنظام، فالإنسان اكتشف النظام وأدركه بالحدس، وبالتالي فرض النظام على خبرتنا عن هذا العالم.ويفتتن المؤلف بفكرة التكيف التي تمثل عنده إبداعًا متقدمًا ويخرج من ذلك إلى أن أهداف التلاميذ ليست ملائمة ولا صالحة لنمو معرفتهم. فمعرفة التلاميذ ستنمو وستتحسن بالممارسة. ومكمن الصعوبة في نظر (بيركنسون) أنها في الوقت التي توسع فيه من آفاق العملية التعليمية. وتطلق قوى المتعلم وتحرره، إلا أن ثمة صعوبتين تكمنان في هذا الصدد:

أولاً أن الأهداف القومية تشكل نسيجًا موحدًا لبناء الأمة على اختلاف مشاربهم في تعلمهم، فالأهداف التربوية لها وظيفة توحيدية،

أما الأمر الثاني فهو الانقلاب الذي سيصيب دور المعلم في هذه الحالة.

 

 تغير دور المعلم

سنتجاوز عن المؤلف اختلافنا معه حول قيمة النظرية التطورية الداروينية، والتي ينطلق منها، فثمة نقد كبير يوجه إليها في فلسفة الماهية، ناهيك من النقود العلمية الرصينة وخصوصًا في الغرب.يدعو المؤلف المعلمين إلى صنع بيئات مربية، حيث يستطيع الطلاب فيها أن يعلموا أنفسهم بأنفسهم، ويحسنوا معرفتهم. وشروط البيئة المربية: أن تكون حرة، ومستجيبة، ومدعمة للطلاب، ويقوض ـ في المقابل ـ المؤلف الطريقة الحديثة في التعليم التي يمثل فيها المعلم سلطة (كما عند ديوي). ويبين الجدول رقم (1) أوجه اختلاف دور المعلم في الطريقتين:والمقارنة السابقة التي ينحاز فيها المؤلف لصالح المعلم الناقد يمكنها أن تواجه ثلاث مشكلات تعترض المعلم في عمله: مشكلة الدافعية، ومشكلة مقاومة الطلاب للتعلم، ومشكلة تتابع العملية التعليمية،

فالمدخل الحديث في التعليم يضع سقفًا لنمو مهارات المتعلم ولا يشجع النمو المستمر عندما يعتقد التلاميذ أنهم حققوا أهداف الأداء، كما لا يشجع ظهور النقد الذاتي عند الطلاب. وهنا يعلي المؤلف من شأن الخطأ الإنساني للمتعلمين ويعتبره خبرة تربوية مفيدة. ولا يرى مانعًا من أن يقدم المعلمون مهاراتنا وأفكارنا العامة والمتعارف عليها، ولكن لا تقدم إليهم على أنها المهارات الصحيحة والأفكار الصائبة، ولا يطلبون منهم أن يقبلوا هذه المعرفة ويجعلوها معرفتهم المملوكة لهم، وإنما يقدمونها لهم باعتبارها «مادة تعليمية» تساعد على تحسين معرفتهم الموجودة عندهم بالفعل.

 

 موازنة بين دور المعلم التقدمي ودور المعلم الناقد

وبعد أن عرض المعلم للموازنة بين دور المعلم الحديث، كما قدمته الحداثة، ودور المعلم الناقد، فإن المؤلف يعقد مقارنة بين دور المعلم التقدمي (عند ديوي مثلاً)، ودور المعلم الناقد (كما يمثله كمؤلف) كما هو في الجدول (2).ويقوض (بيركنسون) نظرية المعرفة التقدمية، فإذا كانت المعرفة تنمو خلال عملية المحاولة والخطأ، فإن دعم الالتزام بالمعرفة، وتبريرها كما يفعل المعلم التقدمي سوف يمنع المعرفة، ويستعين المؤلف بآراء (كارك يوبر) القائلة إن العلماء لا يجرون التجارب من أجل حل المشكلات بل لاختيار مدى كفاءة الحلول، وأننا لا نعرف كيف نحل المشكلات، وإنما كل ما نملكه هو طريقة نتخلص بها من الحلول الخاطئة أو القاصرة.

 

 تقويض أهداف تعليم ما بعد الحداثة

ينتقد الكتاب نظرة المعلمين إلى المعرفة الخارجية على أنها سلطة مرجعية معصومة من الخطأ، وهو ما يقع فيه معلمو الحداثة، وما بعد الحداثة.وثمة مراجعة ضرورية عن الاستغناء عن الأهداف التعليمية في العمل التربوي، فاللحمة في هذا التعليم سوف تنفك وتخضع لجهد كل معلم في إبراز طاقات تلاميذه من خلال التفاعل الصفي المتمحور حول المتعلم لا المعلم، وهي عملية فردية خاضعة للتقلب حسب قدرة كل معلم، ودرجة تبصره بعمله. وتكمن ضرورة جودة الأهداف في أنها شكل المعيارية التي تقيم أداء المعلم والطالب في ضوئها ودونها يفتقد المعلم المعيار أو البوصلة التي يستخدمها في تحديد كفاية معرفة طلابه، خصوصًا في بعض المقررات الدراسية التي تحتاج إلى ضوابط وتحديد مثل الكيمياء والمقررات التطبيقية العملية (الورش والتجارة...إلخ)، والرياضيات. كما أن هذه النظرية لو طبقت ستسطو على حقائق تعليمية أساسية لازمة في العملية التعليمية مثل الوقائع التاريخية، والمصادر الكيميائية والتضاريس، والمعادلات الرياضية، وهي مصادر معرفة نشك أن تكون موجودة لدى الطلاب، وتنبثق من خلال ذواتهم كما يقترح بيركنسون.

ومن الملاحظ أن النظرية التي يحملها الكتاب لا تشير إلى قضية الضبط التربوي، وآليات تأمين الانضباط اللازم للعملية التعليمية داخل الفصل وخارجه، ولا إلى تغيير برامج الإعداد في كليات التربية لتدريب المعلمين على التعليم الناقد، وهي مهمة عسيرة وضخمة كانت تستحق منه بعض الالتفات.وبالرغم من تقديرنا المؤلف لاحترامه لقدرات وطاقات وعقول متعلميه. فإن استبعاد الأهداف التربوية من العمل الصفي يمكن أن يحول التعليم في أي مجتمع إلى مسألة تجارب لا يحتملها توحد المجتمع وتماسكه وضرورة ذلك. ربما يتفق مؤلف الكتاب مع موقف الفيلسوف البرازيلي الكبير باولو فريري مع اختلاف أيديولوجيتهم في أن التعليم لا يأتي من خارج المتعلم، بل من داخله. وأن المتعلم بالتالي محور موقف التعلم، وليس المعرفة خارجية مصدرها المعلم ويطرح سؤالاً: ما المادة التعليمية التي يتعين على المعلم أن يقدمها إلى الطلاب. وما الذي يستحق أن يعرف الطلاب، وما الذي يتم عمله؟

 

ويلاحظ أن البرامج التعليمية في التعليم الأمريكي زادت تراكميًا لا تطوريًا ومع اتساع الديموقراطية في المدارس ترتب عليه تزايد مناهج المدارس العامة، مرة لترضي الأقليات التي اعترضت قضائيًا على تهميش المقررات التعليمية لثقافتها، ومرة لخضوع المجالس المحلية للمدارس والمدن لمطالب الجماعات الخاصة ونفوذها مما أدخل برامج واسعة التنوع مثل التربية البيئية، والتربية الجنسية، والتربية الاقتصادية، والتربية الصحية، والتربية المضادة للإدمان. وكانت النتيجة أن التدريس كان سطحيًا لا متعمقًا، مما رفع تكلفة الطالب وتكلفة التعليم وعمومًا دفع القصور في التعليم، الأمريكي إلى أزمة قومية.

 

ويجيب (بيركنسون) عن سؤال ما يجب على الدارس تعلمه؟ بأن يتاح للكبار أن يختاروا له ما هو جدير أن يعرف، وأما في حالة الأطفال الصغار، فمن الضروري أن يتاح للآباء أن يختاروا ما يستحق أن يتعلمه أطفالهم. وهذا سيتحدد من خلال السوق، بالتنافس في البرامج المقدمة بين المدارس، وبالتالي يقترع التلاميذ على البرامج التعليمية من خلال إقبالهم أو ابتعادهم عن مدارس معينة (ولكن ألا يعرض ذلك بنيان المجتمع للخطر؟ وكيف تصلح هذه الطبيعة في ظل نظم التعليم الموحدة كما هو الحال في الأقطار العربية والعالم الثالث؟).إن حيوية رسالة الكتاب أمر يحسب لمؤلفه ومترجمه، وهو يثري الفكر التربوي بإثارة الجدل عن ضرورة الأهداف التربوية في العمل المدرسي، وهو ما يجب أن نربي عليه شبابنا بالتعرف على المتصل الممتد من الأفكار، وتباينها. وبالرغم من الواجهة البراقة لدعوة مؤلفه، فإن ثمة مضمونًا داخليًا يفصح عن فلسفة ما بعد الحداثة يتمثل في هدم النسق، والبنية، وتجزئته، وتفتيت الوعي، وهو ما لا يناسب بالضرورة مجتمعاتنا العربية والثالثية التي تمتلك جدول أعمال مختلفًا عن جدول أعمال مجتمعات ما بعد الحداثة.

 

المعرفة الأرشيفية

المعرفة موجودة داخل التلاميذ والاهداف غير ضرورية للمعلم والمتعلم !:تعليم بغير أهداف!