ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المؤلف "آدم جرانت" (Adam Grant)، ويشاركنا فيه 5 خطوات للتغلب على الخوف من التحدث أمام العامة بحسب تجربته الشخصية.
خشيتُ أن أنسى الأفكار والمحاور التي أنوي أن أطرحها في الفعالية، وكدتُ أفقد أعصابي من شدة التوتر والقلق قبل بضعة أيام من الحدث المُنتظَر على الرغم من التحضير والاستعداد والتدريب على التحدث.
سار الخطاب على ما يرام إلى حدٍّ ما، وكنتُ أشعر بالراحة قبل أن أطَّلع على التغذية الراجعة التي قدَّمها الحضور، وأود أن أذكر منها الملاحظات الآتية:
- "حاول أن تخفف من توتُّرك، لم يكن طرحك موفَّقاً، وبدا لي أنَّك حفظتَ المحتوى عن ظهر قلب وألقيتَه بطريقة تفتقر إلى الحماسة والشغف".
- "يفتقر العرض إلى الحيوية والحماسة والتفاعل، فحاول أن تسترخي وتتحدث بشكل طبيعي وتتفاعل مع المحتوى".
- "لقد كنتَ متوتراً وقلقاً للغاية لدرجة أنِّي شعرتُ بالضيق والاضطراب وأنا أصغي إليك".
ألقيتُ بعد ذلك عدداً كبيراً من العروض التقديمية الناجحة وكنتُ المتحدث الرئيس في كثير من الفعاليات، وقد تحسَّن أدائي كثيراً، وأصبح التحدث أمام العامة من النشاطات المفضلة عندي على الرغم من أنِّي ما زلتُ أعاني من التوتر في بعض الأحيان.
فيما يأتي:
5 خطوات لتخفيف القلق عند التحدث أمام العامة بناءً على تجربتي الشخصية:
1. عدم إجبار نفسك على الهدوء والاسترخاء:
قامت "أليسون وود بروكس" (Alison Wood Brooks) الأستاذة في "كلية هارفارد للأعمال" (Harvard Business School) بإجراء دراسة بحثية عن موضوع التحدث أمام العامة، وفيها طلبت من المشاركين إلقاء خطاب عن سمات الزميل المثالي، فتم تصوير المشاركين وتقييم أدائهم من قِبل لجنة مختصة.
أكد معظم المشاركين على أهمية الهدوء ودوره في نجاح الخطاب، ولكنَّه لم يفلح في مساعدتهم على أرض الواقع، ولاحظ أعضاء اللجنة تدنِّي مستوى الثقة بالنفس والقدرة على الإقناع عند المشاركين الذين حاولوا أن يهدؤوا ويسترخوا في أثناء الإلقاء.
يتحسن أداء المتحدث وينجح في إقناع الجمهور بأفكاره عندما يركز على جانب الحماسة والشغف أكثر من الهدوء؛ إذ يساعد تحفيز الحماسة على تحسين الأداء عند الغناء والإنشاد أيضاً.
يتكون جسم الإنسان من نظامين مختلفين، أحدهما مسؤول عن التحفيز والآخر عن التثبيط، ولقد نجحت "سوزان كين" (Susan Cain) مؤلفة كتاب "الهدوء" (Quiet) في التغلب على رهاب التحدث أمام العامة والمشاركة في مؤتمر "تيد" (TED) بخطاب حقق نجاحاً منقطع النظير، وتقول في هذا الصدد: "نظام التحفيز مسؤول عن تنشيط الجسم وإثارة الحماسة، في حين تقتضي وظيفة نظام التثبيط تخفيض مستوى النشاط وزيادة الحيطة والحذر".
تشرح "كين" أنَّ التغلب على شعور القلق يتطلب تفعيل نظام التحفيز، وتؤكد أنَّ العمل على إيقاف نظام التثبيط عن طريق محاولة التخلص من شعور الخوف والتوتر لا يساعد على التخلص من العواطف السلبية.
القلق عاطفة محتدمة يصعب التخلص منها عندما تسود الشكوك ومشاعر عدم اليقين، ويقتضي الحل تحويل القلق إلى عاطفة إيجابية وقوية مثل الحماسة.
صرت أتجنب التفكير في العوامل التي تحبطني وتثبط عزيمتي، ولا أحاول أن أتخلص من العواطف السلبية، وقررتُ أن أركز على تحفيز نفسي والدوافع التي تشجعني على تقديم أفضل ما عندي مثل رغبتي بمشاركة المعلومات والأفكار القابلة للتطبيق، وتقديم بعض الفواصل الترفيهية.
يبدأ مستوى القلق بالانخفاض مع زيادة حماستي، ولكنَّه لا يختفي كلياً، وهذا أمر طبيعي تماماً، فكما يقول رجل الأعمال "ريتشارد برانسون" (Richard Branson): "لا تصدق من يدَّعي أنَّه لا يشعر بالتوتر عند التحدث أمام العامة".
2. التدريب أمام جمهور حقيقي:
كنت أتدرب على إلقاء الخطابات والعروض التقديمية وحدي في بداياتي، لكن كشفت دراسات عالم النفس الراحل "روبرت زايونتس" (Robert Zajonc) أنَّ مجرد وجود الجمهور يثير انفعال المتحدث، وهذا يعني أنَّ التدريب المنفرد لا يتيح للمتحدث إمكانية ضبط انفعالاته والتكيف معها.
يكمن الحل في التدريب على إلقاء الخطاب في ظروف مشابهة للحدث قدر الإمكان، ومن ثمَّ يُنصَح بالتدريب أمام مجموعة صغيرة من الأشخاص لكي تُتاح لك فرصة ملاحظة تعابير وجه الحاضرين، والاعتياد على التواصل البصري معهم والضغط النفسي المرافق له.
يعاني الشخص الانطوائي من التوتر والضيق عندما يكون محط أنظار الجميع ومحور تركيزهم وانتباههم، فلا تبرز مشكلة الاحتكاك البصري أمام الجماهير الكبيرة؛ وذلك لأنَّ الوجوه لا تكون واضحة؛ وبالنتيجة ينخفض مستوى الانفعال والتوتر في أثناء التحدث.
هذا يعني أنَّ التحدث أمام مجموعة صغيرة من الأفراد يُعَدُّ بمنزلة تدريب تحت ضغوطات نفسية ومستويات قلق بالحد الأقصى، لهذا السبب عمدت "سوزان كين" إلى التدريب على إلقاء الكلمة أمام 20 شخصاً قبل أن تتحدث في مؤتمر "تيد".
3. تخفيض مستوى الإضاءة في القاعة:
يمكن تخفيض مستوى الإضاءة في القاعة من أجل تخفيف القلق في أثناء إلقاء الخطاب؛ إذ تساعد هذه الطريقة على تخفيف الانفعال والاضطراب والقلق؛ وذلك لأنَّ الوجوه تصبح أقل وضوحاً كما تنخفض حدة التواصل البصري مع الجمهور.
اكتشفتُ مؤخراً أنَّ الجمهور يضحك ويتفاعل أكثر مع المتحدث عند تخفيض الإضاءة؛ إذ تجري معظم العروض الهزلية في الأضواء الخافتة، وقد وضح المؤلفان "بيتر ماك غرو" (Peter McGraw) و"جول وارنر" (Joel Warner) في كتابهما "قواعد الفكاهة" ( The Humor Code) أنَّ الإضاءة الخافتة تمنح الفرد الخصوصية والحرية التي يحتاج إليها للتعبير عن مشاعره والضحك على الأفكار التي يجدها فكاهية.
تكمن عيوب الإضاءة الخافتة في إتاحة فرصة النوم، لهذا السبب يجب التأكد من مستوى الفكاهة والدعابة في الخطاب قبل اتخاذ قرار تغيير شدة الإضاءة في القاعة.
4. جمع المعلومات عن الجمهور:
يقل مستوى توتر المتحدث عندما يجمع معلومات وافية عن جمهوره قبل الفعالية؛ إذ تساعد هذه المعلومات على إعداد محتوى مخصص لاحتياجات الحاضرين واهتماماتهم، وإضفاء طابع شخصي وإنساني على المواد بما يراعي القواسم المشتركة فيما بينهم.
تجري العادة أن أقدِّم دورة تدريبية تستمر لمدة أسبوع واحد كل عام لطلاب "ماجستير إدارة الأعمال" (MBA) في "كلية وارتون لإدارة الأعمال" (Wharton Business School)، ومدة الدورة التدريبية قصيرة، ولا تتيح لي إمكانية التعرف إليهم، لهذا السبب أخصص بضعة أيام للاطلاع على سيرهم الذاتية، وجمع بعض المعلومات الشخصية عنهم؛ إذ تساعدني هذه الخطوة على زيادة حماستي وتقليل توتري.
5. افتتاح الجلسة بمسألة أو أحجية أو قصة:
علَّمني الممثل والكوتش الموهوب في مجال التحدث أمام العامة "ديلان تشالفي" (Dylan Chalfy) أنَّ افتتاح الجلسة بأحجية يساعد على تركيز انتباه الحاضرين على الأفكار أكثر من المتحدث، وتُحدِث الأسئلة تأثيراً مماثلاً؛ وذلك لأنَّها تحفز الحاضرين على التفكير وتصرف انتباههم عن إصدار الأحكام على المتحدث.
ينصح المؤلف والصحفي "مالكوم جلادويل" (Malcolm Gladwell) باستخدام القصص في الافتتاحيات؛ وذلك لأنَّها تساعد على زيادة اندماج الجمهور وتركيزه على القصة والشخصيات أكثر من المتحدِّث.
في الختام:
يعاني كثير من الأفراد من التوتر والقلق عند التحدث أمام العامة، وهو ما يمنعهم من إقناع الجمهور بأفكارهم؛ إذ قدَّم المقال 5 خطوات تساعد على التغلُّب على الخوف من التحدُّث أمام جمهور من الناس، فحاول أن تصرف انتباهك عن العواطف السلبية وتركز على الأفكار الإيجابية لتحويل شعور القلق إلى حماسة.
أضف تعليقاً