ولكن تغير الأمر الآن؛ إذ نعيش في عالم سريع التغير، حيث اختفت العديد من الوظائف، بينما ظهرت مجموعة جديدة منها فجأة، وحتى الوظائف التي لا تزال موجودة، اختلفت أساليب العمل فيها باستخدام التكنولوجيا الجديدة؛ فقد أدى الوصول الدائم إلى المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي والاقتصاد العالمي إلى دفع العمال إلى تحسين مهاراتهم الحالية وتعلم مهارات جديدة بسرعة.
أهمية تحسين المهارات الحالية وتعلم مهارات جديدة:
أفاد تقرير حديث صادر عن شركة "هارفارد بيزنس بابليشينغ" (Harvard Business Publishing) أنَّ 54% من القوى العاملة ستحتاج إلى تحسين المهارات الحالية أو تعلم مهارات جديدة بحلول عام 2025. وفي التقرير ذاته، قال 85% من الموظفين إنَّهم يعرفون النقص في مهاراتهم، لكن 41% فقط منهم يعتقدون أنَّ مديريهم يفهمون ذلك النقص. وفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة "جارتنر" (Gartner)، فإنَّ 20% فقط من الموظفين واثقون من أنَّ لديهم المهارات اللازمة للمستقبل. وأفاد الاستطلاع العالمي السنوي الثاني والعشرون للرؤساء التنفيذيين لشركة "بي دبليو سي" (PWC) أنَّ الرؤساء التنفيذيين يقولون إنَّ نقص المهارات يهدد نمو شركاتهم، ويؤثر سلباً في الابتكار، ويخلُّ بالجودة، ويحد من السعي وراء الفرص المتاحة في السوق. لا يؤثر النقص في عدد العمال في المنظمات؛ بل النقص في العمال الذين يمتلكون المهارات اللازمة لدفعها نحو النجاح.
5 خطوات لإنشاء ثقافة التعلم:
يجب أن نفهم أولاً أنَّ أساليب التعلم قد تغيرت، فقد أصبح التعلم يركز على المتدربين أكثر، وتتنوع أساليب التعلم الآن أكثر مما كانت عليه في الماضي. نستعرض فيما يلي 5 خطوات لإنشاء ثقافة التعلم.
1. إضفاء الطابع الشخصي على تجربة التعلم:
لقد أتاح الوصول إلى المعلومات عبر مجموعة واسعة من الوسائط تعلم أشياء جديدة بالطريقة والوتيرة التي يختارها المتعلمون؛ فقد شاع أن يلجأ الناس إلى موقع "يوتيوب" (YouTube) لمعرفة كيفية إصلاح شيء مكسور أو البحث في محرك البحث "غوغل" (Google) عن دروس حول مختلف المواضيع، بعد أن اعتادوا تعلم ما يحتاجون إليه عند الحاجة لذلك وبالطريقة التي تناسبهم.
لذا، يجب وضع أساليب التعلم هذه في الحسبان عند تطوير برامج ومواد التدريب. يستثمر الموظفون في التعلم بمفردهم، لكنَّهم يحتاجون إلى التوجيه في مكان عملهم لضمان أنَّ ما يتعلمونه هام ومناسب. إنَّ مفتاح النجاح هو مواءمة الاحتياجات التنظيمية وموارد التعلم مع اهتمامات الموظفين واحتياجاتهم التنموية.
2. جعل التعلم عادة:
التعلم هو جزء لا يتجزأ من جميع الوظائف، كما تشهد التكنولوجيا تغيرات سريعة، ويجب أن يكون العمال قادرين على التكيف والمواكبة. لذا، يجب أن تبادر المنظمات لتدريب الموظفين كي تظل في الصدارة، وأفضل طريقة للقيام بذلك هي جعل التعلم عادة، وذلك عبر تبسيطه وتسهيل الوصول إليه وجعله هادفاً. ذكِّر الموظفين بلطف بفرص التعلم، واسمح للموظفين برؤية ما يتعلمه أقرانهم، وانصحهم ببرامج تدريب تهمهم وحدد أهداف التدريب ومواعيده النهائية. زوِّد الموظفين بمواد تدريب مناسبة ومصمَّمة بإتقان. لا تضع مهمة اختيار أفضل موارد التدريب على كاهل الموظفين؛ بل ادعمهم عبر التأكد من أنَّ التدريب يعالج النقص في مهاراتهم، وأنشئ أنظمة تساعدهم على تحديد الوقت الذي عليهم استثماره في التدريب، وتتبع ما تعلموه.
3. إضفاء الطابع الاجتماعي على التعلم:
هناك جانب اجتماعي للتعلم دوماً؛ ففي المدرسة، نتعلم العمل في مجموعات ومشاركة الأفكار والموارد والمعلومات، ونفعل الشيء ذاته في العمل أيضاً. وفي وقت فراغنا، نتعلم أشياء جديدة عبر الانضمام إلى الأندية أو المجموعات عبر الإنترنت، ونستخدم أيضاً الملاحظة والتفاعل والمحاكاة للتعلم. لذا، من الهام أن تستثمر المنظمات في إنشاء أنظمة تعزز تجربة التعلم عبر توفير فرص التعلم الاجتماعي، ومن الأمثلة عن ذلك:
- تنظيم المجموعات.
- التشجيع على تقديم التوصيات.
- تسهيل التعاون عبر الإنترنت.
- توفير إمكانية مشاركة المحتوى.
- التشجيع على التعليق ومتابعة الآخرين عبر الإنترنت.
يمكنك أيضاً تنظيم أحداث التعلم أو إنشاء مجموعات أو تطوير برامج المنتورينغ؛ فالأشخاص الذين يشغلون مناصب قيادية هم الذين يديرون التعلم اجتماعياً في المنظمة.
4. توفير تجارب تعلم تركز على المتدربين:
تُظهر الأبحاث أنَّ الموظفين لديهم رغبة بالتعلم، حيث يستطيع القادة الاستفادة من ذلك عبر توفير فرص تعلم تتوافق مع أهداف الموظفين الشخصية، ومواءمة هذه الأهداف مع احتياجات المنظمة. أفضل طريقة لتقديم التدريب هي تنظيم مواد متنوعة للموظفين من حيث حجمها وعمقها ودرجة تعقيدها، تساعدهم على معالجة النقص في مهاراتهم، وتحقيق أهدافهم.
5. قياس التقدم:
أفضل طريقة لتقييم النقص في المهارات في المنظمة هي عبر تحليل البيانات. يساعد تحديد الفرق بين طريقة تقييم الموظفين لمهاراتهم وتقييم المديرين لها في تحديد الجوانب التي تتطلب المزيد من موارد التعلم.
لتعزيز اندماج الموظفين في التدريب، اسألهم عن نوع مواد التعلم التي يفضلونها، مثل الدروس التي يقدمها الخبراء أو الفيديوهات أو المدونات الصوتية. يمكنك أيضاً تتبع بيانات الاندماج اجتماعياً خلال التعلم، عبر تحديد مدى التفاعل الاجتماعي، وعدد الموظفين الذين يشاركون المحتوى. يمكنك الحصول على معلومات مفيدة حول اندماج الموظفين ومدى اهتمامهم بمواد التدريب عبر تتبع هذه المقاييس.
في الختام:
على الرغم من القلق الذي أعرب عنه كل من الرؤساء التنفيذيين والموظفين حول النقص في المهارات، ولكن لحسن الحظ يبدو أنَّ الموظفين يتعلمون أكثر من أي وقت مضى، فالتعلم الذاتي وصل إلى أعلى مستوياته؛ إذ يقرأ الموظفون المدونات، ويستمعون إلى المدونات الصوتية، ويشاهدون مقاطع الفيديو، ويحضرون المؤتمرات، ويشاركون في دورات عبر الإنترنت رغبة منهم في ذلك، وعلى القادة تقدير اهتمامهم هذا وتشجيعه ودعمه.
يتعين على القادة الاستفادة من اهتمامات الموظفين وأهدافهم وإرشادهم نحو الاتجاه الذي يتوافق مع احتياجات المنظمة، حيث يجب أن يشارك كِلا الطرفين بنشاط في هذه العملية.
أضف تعليقاً