يتشارك المديرون والعاملون مسؤولية الحفاظ على الصحة النفسية في بيئة العمل، بما في ذلك تحديد مخاطر الاحتراق الوظيفي وتخفيفها، ولكن يجب أن يتولى القادة زمام المبادرة في هذه المسألة. تشجع ثقافة الأمان النفسي والرعاية الذاتية الموظفين على الشفافية، ولكن يقع على عاتق المديرين مَهمة رصد أعراض الاحتراق الوظيفي عند العاملين.
أعراض الاحتراق الوظيفي
ثمّة 3 مؤشرات أساسية للاحتراق الوظيفي وهي الإرهاق، واللامبالاة، والاقتناع بعدم الجدوى من العمل. في ما يلي، 6 أعراض تدل على حالة الاحتراق الوظيفي:
- تراجع جودة العمل.
- زيادة معدلات التغيُّب عن العمل.
- تراجع الحماس أو المشاركة في أنشطة الفريق.
- عدم الامتثال للقواعد على نحوٍ غير مباشر.
- حساسية مفرطة تجاه التغذية الراجعة.
- سلوك سلبي أو ساخر.
تقول خبيرة ثقافة العمل "هايكي لين كورتير" (Heiki Lynne Kurter): "لا بد أن تلاحظ مؤشرات تعاسة الموظفين في مكان العمل، وغالباً ما تظهر مشاعرهم السلبية في سخريتهم، وحدَّة طبعهم تجاه العملاء، أو الزملاء، أو حتى المدير. سواء كانت المشاعر إيجابية أو سلبية، فهي معدية وتؤثر في الفريق بأكمله، ثم تنتشر في أنحاء الشركة".
يقتضي الحل رصد الأنماط المتكررة، فقد يميل الموظف الانطوائي بطبيعته على سبيل المثال إلى الصمت خلال الاجتماعات، لذا من الهام عدم الخلط بين هذا السلوك المعتاد وحالة اللامبالاة المرافقة للاحتراق الوظيفي. لهذا السبب، يجب تحديد أساليب عمل الموظفين وسلوكاتهم في الأحوال الطبيعية، من خلال الاجتماعات الفردية الدورية والاستبيانات الكمية.
ومن ناحية أخرى، يجب مراقبة الموظفين المتفوقين، والمثاليين، والذين يظهرون نزعة تنافسية شديدة، ورغبة في وضع معايير أداء تفوق المستوى المطلوب، مما يدفعهم إلى النقد الذاتي، والإفراط في العمل، والاحتراق الوظيفي.
تشمل العلامات التحذيرية التي تدل على نزعة المثالية العمل خارج أوقات الدوام الرسمي، وعدم أخذ إجازات لفترة طويلة، وتحمُّل أعباء تفوق المعدل الطبيعي لأعضاء الفريق.
الوقاية من الاحتراق الوظيفي عن طريق الكوتشينغ
فيما يلي 4 خطوات للوقاية من الاحتراق الوظيفي:
1. التركيز على نقاط القوة
كشفت دراسة لشركة "غالوب" (Gallup) أنَّ العمل في وظائف تستثمر المهارات والإمكانيات الفطرية تقلل التعرض للاحتراق الوظيفي بنسبة 57%، أي يمكن أن يتراجع الحماس والإنتاجية عندما لا يُتاح للموظف فرصة استخدام مواهبه وقدراته في العمل.
تقول الكوتش "جولي صموئيل" (Julie Samuel) المختصة في مساعدة العاملين على تخفيف الاحتراق الوظيفي: " أخبرني أحد عملائي أنّه يشعر بأعلى مستوى من التوتر في وقت محدد من اليوم، دون أن يدرك أنّه على حافة الانهيار النفسي، وعميل آخر شعر بعدم الرضا عن مسيرته المهنية دون أن يتمكن من تحديد السبب. استنتجت من التجربتين أنَّ هذه الضغوط تتطور إلى حالة من الاحتراق النفسي إذا لم يحدث تدخُّل من قبل مختص".
في كلتا الحالتين، أدرك العميلان أنَّ السبب الرئيس لتوترهما هو عدم تناسب أدوارهما الوظيفية مع شخصياتهما، وتوضح "جولي": "رغم أدائهما الجيد في وظيفتهما وعدم تلقيهما لأيّة تغذية راجعة سلبية، فإنّهما لم يتمكنا من استثمار نقاط قوتهما. لقد اضطرا لبذل مجهود أكبر؛ لأنّهما يعملان على مهام لا تسمح لهما باستثمار إمكانياتهما".
2. وضع حدود صحية
يجب أن يكون القائد مثالاً لموظفيه في التوازن بين الحياة الشخصية والعمل، لكي يرسّخ ثقافة الرعاية الذاتية والصحة النفسية في مكان العمل، وهذا يتطلب منه التخلُّص من عادات العمل السيئة الشائعة، مثل العمل خلال الإجازات، أو في عطل نهاية الأسبوع، أو التواصل خارج أوقات الدوام الرسمي.
يقتضي التطبيق العملي أن يلتزم المديرون بممارسات الوعي الذاتي، وسلوكات العمل الإيجابية، ويعتنوا بصحتهم في حياتهم اليومية، لكي يكونوا مصدر إلهام لموظفيهم، ويشجعوهم على إعطاء الأولوية لعافيتهم والتوفيق بين العمل والحياة الشخصية.
تشاركنا "جولي" تجربة قائلة: "كان الوعي الداخلي والفهم العميق للذات هو الحل الأمثل لمعالجة الاحتراق الوظيفي في إحدى الحالات. أدركت العميلة أنّها تستثمر وقتها وطاقتها بالكامل في تحقيق أهدافها المهنية وإرضاء الآخرين، دون أن تهتم بصحتها. لذا، قررت أن تعزز التواصل مع ذاتها، من خلال ممارسة الفنون الإبداعية والتأمل، إضافةً للتوقف عن إنجاز بعض مهام العمل التي كانت تنهكها وتدفعها نحو الاحتراق النفسي".
بالتالي، يجب ترسيخ ثقافة الاهتمام بالصحة النفسية والجسدية في مكان العمل من خلال تقدير جهود الموظفين، والاهتمام بصحتهم النفسية، وتقديم الدعم المعنوي، وعدم الاكتفاء بالمزايا والمكافآت المادية فقط.
3. ربط العمل بأهداف الموظفين
غالباً ما يصاب الموظف بالاحتراق الوظيفي عندما لا يدرك فوائد عمله، ويقع على عاتق المدير مسؤولية إبراز مساهمة أعضاء الفريق في تحسين العالم من حولهم. يُستحسَن أيضاً أن تساعدهم في ربط غاياتهم الشخصية مع رسالة الشركة وأهدافها.
من الطبيعي أن يتردد المدير في مناقشة مسألة الغاية من العمل، أو يمانع الموظف البوح بأمور شخصية تتعلق بعمله. في مثل هذه الحالات، يُستحسَن الاستعانة بكوتش يساعد الموظف في تحديد السبب الرئيس للاحتراق الوظيفي ومعالجته.
4. رصد علامات الاحتراق الوظيفي في مراحله المبكرة
أصبح رصد مستويات التوتر لدى الموظفين أصعب بعد انتشار العمل عن بعد والأنظمة الهجينة، نتيجة تعذُّر ملاحظة العلامات الجسدية أو السلوکيات اليومية التي لا تظهر في المكالمات والاجتماعات المرئية. تساعد جلسات الكوتشينغ المنتظمة في تخفيف أعراض الاحتراق الوظيفي.
لا داعي لإجراء جلسات كوتشينغ رسمية، بل يكفي تطبيق تقنيات الإصغاء الفعال، والتعاون خلال المحادثات والاجتماعات بدل إصدار الأوامر، والتحكُّم المفرط، وتصيُّد الأخطاء.
في الختام
يؤدي المديرون دوراً محورياً في تخفيف أعراض الاحتراق الوظيفي، ولكن يجب الاعتراف بوجود بعض العوامل التي لا يمكنهم أن يؤثروا فيها، مثل المشكلات الشخصية، أو العائلية التي تواجه الموظف. لكن ما يمكنهم فعله هو الإصغاء الفعال إلى الموظفين، ودعمهم خلال مراحل الاحتراق الوظيفي، وِإعطاء الأولوية لبناء ثقافة تدعم العافية في مكان العمل.
أضف تعليقاً