إنَّ إحدى أهم قواعد المنتورينغ هي الحفاظ حفاظاً تامَّاً على سرية المحادثات، وهذا ضروري لتوفير بيئة آمنة يكون فيها كلٌّ من المنتور والمتدرب قادِرَين على التعبير عن أفكارهما دون حرج؛ ونتيجة لذلك، يطَّلع المنتور على معلومات حساسة للغاية.
يستلزم فن المنتورينغ القدرة على تطوير وتحسين هذه البيئة لتسهيل إجراء المحادثات اللازمة للمنتورينغ الفعَّال، ولتشجيع المتدرب على الحديث صراحةً عن أفكاره والتعبير عنها والشعور بالراحة التامة عند الحديث عن أمور تتعلق بعمله وحياته الشخصية أحياناً.
الكشف عن خفايا الأمور
تُعقَد عادة في أثناء تقديم المنتورينغ والكوتشينغ للمتدربين جلسات جانبية يُطرَح عليهم فيها أسئلة موضوعية وجريئة وفضولية من شأنها الكشف عن كل ما مرَّ في حياة المتدرب من خيبات وابتهاجات، ويجب على المنتور معالجة كل ذلك والاحتفاظ بهذه المعلومات بسرية تامة؛ فقد سمع المنتورز على مر السنين وناقشوا مع متدربيهم أموراً من هذا القبيل:
- سياسات الشركة الشديدة السمية.
- صدامات شخصية.
- متلازمات المحتال.
- النرجسية.
- العنصرية.
- العلاقات.
- المشكلات الزوجية.
- العلامات المبكرة لاعتلال الصحة العقلية.
- الخطط الماكرة والناجحة للوصول إلى الترقية.
- البحث عن رب عمل جديد.
- مسألة الغرور الشائعة والتعامل معها.
تجد هذه المواقف في عالم الشركات الصغيرة والمتوسطة، كما في المؤسسات الكبيرة؛ إذ يمتلك البشر طبيعةً استثنائية من الرائع أن تخضع إلى الدراسة.
لماذا كتم الأسرار ليس بالأمر السهل؟
يُعدُّ كتم الأسرار من أصعب المهمات التي يقوم بها البشر، وقد كتب المؤلف "آرت ماركمان" (Art Markman) في مجلة "سايكولوجي توداي" عن الآثار السلبية لكتم الأسرار التي تتمثل أساساً في:
- استهلاك حيز من العقل من خلال التفكير المستمر في المعلومات.
- الإحساس بضعف المصداقية الناجم عن الشعور بالحاجة إلى الحديث مع الطرف المعني.
- انخفاض في الصحة والسلامة ناتج عن العاملين المذكورين آنفاً.
هذا بغض النظر عمَّا إذا كنت تعرف الأشخاص الآخرين المعنيين أم لا؛ فكيف يتعامل المنتورز مع تحمل عبء مثل هذه المعلومات السرية؟
كيف يكتم المنتورز الكثير من الأسرار؟
تُشجع الجمعيات العاملة في المجال ومواثيق السلوك التي يُوقِّع عليها المنتورز بشدة على تبني العُرف المهني الذي يُشار إليه بالإشراف في الكوتشينغ، وبالتأمل في المنتورينغ.
يُخفف هذا العُرف من رغبة المنتور في تسريب ما هو غير لائق مهنياً إلى شريكه أو صديقه والقدرة في الوقت نفسه على التواصل مع شخصٍ موثوق كذلك عندما تكون هناك حاجة إلى البحث عن رأي بديل بشأن قضية معينة، وكذلك لتخفيف العبء عموماً؛ وعلاوة على ذلك، يتيح التأمل للمنتور أن يتحقق شعوريَّاً من سلوكه، ومن أنَّه قد تطرَّق إلى جميع الأساسيات.
يوجد تدريبٌ يُقدَّم في المنتورينغ يُدعَى "الحوامة" (The Helicopter) عرَّفتنا عليه خبيرة المنتورينغ والكوتشينغ جولي ستار (Julie Starr) في دليل المنتورينغ، ويُعَدُّ هذا التمرين طريقة صحية للتأمل بعد جلسة أو اجتماع خلال العمل اليومي؛ وإليك الدليل خطوة بخطوة:
- خذ نفساً بعد الاجتماع، وخصص بعض الوقت لإعادة التفكير في الجلسة أو الاجتماع بصورة شاملة.
- كن قادراً على رؤية نفسك مشاركاً فيها.
- راجع مجريات الجلسة، وتذكر الأساليب الفردية والأسئلة وردود الفعل ولغة الجسد.
- سجِّل ملاحظة ذهنية عن أي شيء سار سيراً حسناً، أو نسيته، أو كان بإمكانك تقديمة؛ وانتبه إلى النبرة، بالإضافة إلى النتيجة والخطوات التالية.
- عدِّل أسلوبك وغيِّره في الجلسات اللاحقة.
قد يحتاج هذا إلى القليل من التدريب في البداية، ولكن يُفترَض أن يصبح أمراً سهلاً خلال فترة زمنية قصيرة؛ حيث يُعدُّ حفظ المعلومات امتيازاً بالنسبة إلى المنتورز، مثلما هو الحال مع استعراض خبراتهم بغرض التوجيه والدعم.
يتضمن المنتورينغ الاحترافي في جزء منه التعامل مع المناقشات واستخدام المعرفة التي يشاركها المنتورز لمساعدة المتدربين على التطور، والارتقاء إلى مستوى التحديات وتحقيق إمكاناتهم الحقيقية.
لا يوجد سوى حالة واحدة يكون فيه خرق الثقة مقبولاً، وهي إذا كان هناك قلق حقيقي يتعلق باعتلال الصحة العقلية لم يتطرق إليه المتدرب، أو ربما إذا كان هناك دليل على أي نشاط غير قانوني؛ إذ في هذه الحالات، تقع على عاتق المنتور مسؤولية تحديد شكل المساعدة المناسب وتنبيه الموارد البشرية أو أحد الزملاء أو أحد أفراد الأسرة في حال عدم توفر الموارد البشرية.
يُعدُّ التواصل والوعي أمرين حاسمين عندما يتعلق الأمر بالمنتورينغ؛ إذ يجب أن يكون المتدرب قادراً على التحدث عمَّا يجري في حياته المهنية والشخصية، ويجب أن يكون المنتورز قادرين على تلقي المعلومات السرية دون التدخل فيها، وأن يحافظوا على الموضوعية في أثناء استخدام معرفتهم لتحقيق منتورينغ فعَّال؛ فمن خلال التفكير في جلسات المنتورينغ لمعالجة بعض المعلومات بمهنية، لن تكون الأسرار عبئاً ثقيلاً على المنتور إذا ما تأمل جلسات المنتورينغ واستخدمها في معالجة المعلومات بموضوعية ومهنية.
أضف تعليقاً