يستمر العمل عن بُعد في بيئة العمل اليوم في اكتساب الشعبية، وفي بعض المؤسسات، يُعَدُّ العمل عن بُعد هو الخيار الوحيد، بينما في مؤسسات أخرى يمكن للموظفين اختيار العمل من المنزل خلال أيام الأسبوع كما يناسبهم.
قد يصعب على بعضهم تقبُّل طريقة العمل عن بُعد؛ إذ يدَّعون أنَّ عمل المرء من المنزل يمنعهم من معرفة مدى جودة أدائه أو ما إذا كان يعمل أساساً، وأنَّ العمل في المنزل سيعزل الموظفين عن التواصل اللازم مع زملائهم في العمل، وتوجد الكثير من العوامل التي تؤكد أنَّ العمل في المنزل غير عملي، مثل العوامل المُشتِّتة وعدم وجود مكان هادئ للعمل فيه، ومع ذلك، تشمل بعض الاقتراحات المرتبطة بفكرة العمل عن بُعد ما يأتي:
يتفق خبراء الإدارة على أنَّ أفضل طريقة لقياس أداء العمال تعتمد على نتائجهم، أو على المخرجات بدلاً من المدخلات أو على الساعات التي يقضونها في المكتب، ولا يُعَدُّ العمل في المنزل مقترحاً يشمل خيارَين لا ثالث لهما، فالنماذج الهجينة تسمح للأشخاص بالعمل عن بُعد في بعض الأيام، وفي المكتب مع زملائهم في أيام أخرى.
يحدث التواصل عن بُعد على أيِّ حال، إما عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني أو الرسائل الفورية أو عقد المؤتمرات على شبكة الإنترنت أو عبر الفيديو وما شابه، وتُعَدُّ المكاتب مصدراً للعديد من المشتتات أكثر من الأماكن التي يؤدي فيها الموظفون عملهم عن بُعد؛ ولهذا السبب يختار 93% من العاملين الذين شملهم الاستطلاع العمل بعيداً عن المكتب لإنجاز عملهم بدقة، ومهما كانت الأفكار المُنتقِدة، فالحقيقة هي أنَّ العمل عن بُعد لن ينتهي قريباً.
أفاد إحصاء في الولايات المتحدة (U.S) ما يأتي:
- بين عامي 2000-2010، زاد عدد الأشخاص الذين عملوا لمدة يوم واحد على الأقل في المنزل أسبوعياً بأكثر من 4 ملايين؛ أي بنسبة 35%، وارتفع عدد العمال الذين يمارسون العمل عن بُعد بين الفينة والأخرى من 9.2 مليون إلى 13.4 مليون خلال هذا العقد.
- بين عامي 1980-2000، زاد عدد الموظفين ليصبح أغلبهم يعملون عن بُعد؛ أي أكثر من الذين يعملون لحسابهم الخاص، وفي عام 1980، كان 39.4% من العاملين عن بُعد موظفين في شركات خاصة؛ أي لا يعملون لحسابهم الخاص، لكن مع حلول عام 2010، زادت تلك النسبة وأصبحت أكثر من 59%.
من الواضح أنَّ هذا الأسلوب هو أسلوب العمل المستقبلي، فما الذي يؤدي إلى تعزيز هذا التحول في طريقة العمل:
أولاً: التوازن بين الحياة الشخصية والعمل
مع زيادة التركيز على أهمية تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية، يجد أرباب العمل أنفسهم بحاجة إلى التكيف مع فكرة التغيير تلك، فإنَّ السماح للموظفين بالعمل من المنزل يضع عبء تحقيق النتائج على عاتقهم ويمنحهم المرونة في طريقة ضمان ذلك؛ إذ توفر لهم هذه المرونة القدرة على تحديد أفضل طريقة لتحقيق التوازن بين حياتهم الشخصية والمهنية.
ثانياً: القوى العاملة من جيل الألفية
يبحث العامل من جيل الألفية عن قيم مختلفة تتعلق بوظيفته ومكان عمله، وإحداها هي القدرة على العمل من المنزل؛ إذ يرغب 85% من جيل الألفية في العمل عن بُعد بدوام كامل؛ لذا يشعرون بالسعادة في أثناء العمل في المنزل أو في مقهى أو مكان عمل مشترك أو مكتبة أو أيِّ مكان آخر غير الشركة والمكتب، وهذا يرجع أساساً إلى أنَّ ثقافتهم تتمحور حول فكرة الشعور بالارتباط والتواصل مع الحفاظ على استقلاليتهم. ولتوظيف هؤلاء الأشخاص والحفاظ عليهم، لم يعد العمل عن بُعد خياراً للعديد من المنظمات؛ وإنَّما أمر حتمي لتحقيق النجاح.
ثالثاً: التكنولوجيا
مع استمرار تطوُّر التكنولوجيا، ستزداد قدرة الموظفين على العمل عن بُعد بفاعلية، وإذا فكرت في الأمر، لا يوجد حاجة لوجود الموظف في المكتب لإنجاز أدوار وظيفية معينة عندما يمكنه الاتصال عبر الكاميرا أو استخدام البريد الإلكتروني أو الدردشة أو الهاتف في أي وقت.
الآن، أكثر من أيِّ وقت مضى، تعني القدرة على البقاء على اتصال على الأجهزة المحمولة أنَّ الموظفين يمكنهم أن يعملوا عن بُعد في أيِّ وقت وأيِّ مكان، لكن ما هي الفوائد التي يمكن أن تتوقعها المنظمة عندما يتعلق الأمر بتوفير خيارات العمل عن بُعد للموظفين؟
1. توفير التكاليف:
أحد أهم الأمور التي يحققها العمل عن بُعد للقوى العاملة هو توفير التكاليف، ففكر في النفقات التي يجب إنفاقها على مساحة مكتبية كبيرة وأثاث مكتبي وطعام ومشروبات إذا كان المكتب يوفر ذلك للموظفين وأكثر من ذلك.
لقد ذكرت شركة "فليكس جوبز" (Flexjobs) أنَّ أرباب العمل يمكنهم توفير 22000 دولار لكل عامل عن بُعد سنوياً، حتى لو لم يكن الفريق ككل يعمل عن بُعد، وإنَّ وجود قوى عاملة تعمل عن بُعد يقلل أو يلغي الحاجة إلى تلك النفقات؛ وهذا يعني المزيد من الأرباح.
2. زيادة الإنتاجية:
على الرغم من وجود إيجابيات وسلبيات عندما يتعلق الأمر في الإنتاجية، كشف تقرير إنتاجية الحالة والعمل أنَّ 65% من الموظفين الذين يعملون بدوام كامل يعتقدون أنَّ العمل عن بُعد سيزيد من الإنتاجية، ويوافق رؤساؤهم على ذلك، بينما أفاد ثلث المديرين الذين شملهم الاستطلاع عن زيادة في الإنتاجية الإجمالية من موظفيهم الذين يعملون عن بُعد.
قد يكون الموظفون الذين يحصلون على الاستقلالية والمرونة لإنجاز وظائفهم عن بُعد أكثر إنتاجيةً؛ إذ إنَّهم يبذلون الجهد لإنجاز المهمة، في حين أنَّ هذا الأمر قد يعني قضاء نفس ساعات العمل في المكتب، إلا أنَّه يعني أيضاً قضاء الأمسيات أو عطلات نهاية الأسبوع أو لحظات الصباح الباكر بما يتوافق مع القرارات الشخصية للفرد.
3. تعزيز الاندماج:
إنَّها معادلة بسيطة، موظف سعيد يعني تعزيز الاندماج وتقليل دوران القوى العاملة؛ إذ يُعَدُّ العمل عن بُعد من أفضل الطرائق للمساعدة على تحقيق اندماج أعلى، ففي استطلاع أجرته شركة "تيني بالس" (TINYpulse)، أفاد الموظفون عن بُعد أنَّهم كانوا أكثر سعادةً من الموظفين الذين يعملون في مقر الشركة، وشعروا بأنَّ دورهم أكثر قيمةً، وإنَّ منح الموظفين القدرة على الشعور بأنَّهم جزء من شيء ما، والأهم من ذلك أنَّ المنظمة تثق بهم للمساهمة بفاعلية في الصورة الأكبر، هو أمر هام.
من أجل الاستمرار في التنافس بنجاح للحصول على أفضل المواهب المتاحة والأهم من ذلك الحفاظ على تلك المواهب ضمن المنظمة، يحتاج القادة إلى البدء بفهم ما الذي يعنيه العمل عن بُعد وطريقة إدارة الموظفين غير الموجودين في المكتب بفاعلية؛ إذ يمكن للتدريب على تطوير القيادة تحقيق ذلك، ويمكن أن يساعد ضمان التدريب المستمر للإدارة على تخفيف المخاوف من فقدان السيطرة أو إنتاجية أعضاء الفريق.
بالإضافة إلى ذلك، تحتاج المؤسسات إلى استثمار ميزانية لتدريب الموظفين وتطويرهم والتي تتمحور حول العمل الفعَّال من المنزل، ويمكن أن يشمل ذلك نصائح عن التزام الموظفين في إنجاز المهام في الوقت المحدد، وتحفيزهم، والتأكد من امتثالهم عندما يعملون خارج مقر الشركة، وغير ذلك المزيد، فإنَّ مساعدة الموظفين على فهم ما هو متوقع بوضوح وطريقة تلبية هذه التوقعات سيؤدي إلى تصميم برنامج عمل عن بُعد أكثر نجاحاً للشركة عموماً.
يوجد مجال رئيس آخر يجب التفكير فيه وهو عملية التوظيف والتعيين، فإنَّ تحديد ثقافة المنظمة بوضوح والدور الوظيفي والصفات التي يجب أن يمتلكها الموظف الجديد؛ كلها عوامل هامة لتهيئة العمال عن بُعد لتحقيق النجاح، فإذا لم تعيِّن الشخص المناسب لتلبية هذه المتطلبات، فمن المرجح أنَّك لن تحقق أقصى استفادة منه عندما يعمل عن بُعد، ومع ذلك، إذا وجدت الشخص المناسب، فلن تتغير النتائج والقيمة التي ستتحقق بناءً على المكان الذي يختار أداء وظيفته فيه.
في الختام:
يجب أن تقرر المنظمة ما هو الأفضل بالنسبة إليها، فبعض الأدوار ببساطة لا تصلح للعمل عن بُعد، ومع ذلك، بالنسبة إلى الغالبية العظمى من المنظمات التي يمكن أن توفر خيار العمل عن بُعد، فقد يكون الوقت قد حان للنظر في إعادة الهيكلة وإعادة التدريب والتخطيط لمستقبل الموظفين الذين لن يتمكنوا من الوصول إلى العمل في نفس الوقت أو الوجود في نفس المكان كل صباح.
أضف تعليقاً