مفهوم الكوتشينغ المهني
تبدأ التحولات المهنية بوضع خطة، فسواء أكنت تستكشف فرصاً جديدة، أم تطور مهاراتك، أم تمر بمرحلة انتقالية هامة، فإنَّ الكوتشينغ المهني يساعد في تحديد الأهداف والأولويات، وتعزيز الثقة بالنفس، والتخطيط للمستقبل.
الكوتشينغ المهني هو عملية فردية بين الكوتش والموظف، تهدف إلى تحقيق التطلعات المهنية والوصول إلى أقصى الإمكانات؛ إذ يساعد كوتشز المسار المهني في التخطيط المهني، وتغيير المسار، وتقديم النصائح، واتخاذ القرارات المهنية، بما في ذلك البحث عن الوظائف والاستعداد للمقابلات.
إنَّه بمنزلة نهج استباقي لبناء المرونة الذهنية، وليس مجرد حل سريع للمشكلات، وأداة مستقبلية تهدف إلى إطلاق الإمكانات الكاملة للقوى العاملة. يشمل ذلك: تقديم الإرشاد حول السير الذاتية، وخطاب التقديم، وتقنيات المقابلات.
تُعد الشهادات والتدريب على الكوتشينغ عناصر أساسية لضمان أن يكون كوتشز المسار المهني مؤهلين لتقديم إرشاد متخصص.
وفقاً لتقرير الاتحاد الدولي للكوتشينغ (ICF) في عام 2023، هناك ما يزيد على 48,000 كوتش معتمَد يعملون حول العالم، ويزداد العدد سنوياً بسبب الطلب المرتفع.
نظراً لأنَّ كل رحلة مهنية فريدة من نوعها، فإنَّ كوتش المسار المهني يُخصص نهجه ليتناسب مع احتياجات المتلقي، ويغطي مجموعة واسعة من المواضيع المهنية مثل: البحث عن وظيفة والتحضير للمقابلات.
مهام الكوتش المهني
لا يوجد وصف وظيفي محدد للكوتشز المهنيون، لأنَّ المسار المهني لكل شخص يختلف عن غيره، فكل رحلة مهنية تتطلب دعماً مخصصاً، خاصة أثناء البحث عن وظيفة أو تطوير المسار المهني. ومع ذلك، هناك بعض المسؤوليات المشتركة التي يقوم بها الكوتشز المهنيون مثل:
- التعامل مع الانتقال المهني.
- تقديم النصائح المهنية.
- مساعدة الباحثين عن عمل في مهارات المقابلة (بما في ذلك المقابلات التجريبية).
- تحليل نتائج التقييم المهني وتقديم الإرشاد.
- المساعدة في التخطيط المهني.
- المساعدة في تحديد الأهداف المهنية طويلة الأمد.
- استكشاف خيارات وفرص مهنية جديدة.
- تقديم النصائح حول بناء العلامة التجارية الشخصية وتحسين الملف الشخصي على "لينكدإن" (LinkedIn)
- تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية من خلال وضع الحدود وتحديد الأولويات.
- المساعدة في عملية البحث عن وظيفة.
- التأقلم مع منصب أو وظيفة جديدة.
- استكشاف طرائق لتطوير المهارات أو إعادة التأهيل المهني في الوظيفة الحالية.
- تحديد استراتيجيات جديدة لتعزيز التطور المهني.
- تقديم التغذية الراجعة لتقييم السير الذاتية وخطابات التقديم.
يساعد الكوتش المهني إذاً الأفراد في العثور على الوظيفة التي يحبونها، وأحياناً ما يكون ذلك من خلال تطوير المهارات في المنصب الحالي، أو الانتقال إلى مهنة جديدة تتوافق مع أهدافهم الشخصية والمهنية.

المستفيدون من الكوتشينغ المهني
يستفيد الجميع من الكوتشينغ المهني؛ إذ يستطيع كل شخص التعمق لاكتشاف إمكاناته الكاملة، لكن يحتاج بعض الأفراد إلى المساعدة لتحقيق هذا الهدف.
يساعد الكوتشينغ المهني الأفراد على العيش بوضوح وهدف وشغف أكبر، ولكي نُطلق العنان للإمكانات البشرية، ينبغي أخذ واقع سوق العمل اليوم في الحسبان.
في الوظائف المجهدة، من الصعب الحفاظ على التوازن، ويُعد الكوتشينغ المهني نقطة انطلاق أساسية للدعم والنمو، لأنه يعزز اندماج الموظفين، وسلامتهم النفسية، وإنتاجيتهم.
4 إشارات تدل على أنَّك بحاجة إلى الكوتشينغ المهني
تشير الدراسات إلى أنَّ 55% من الموظفين يعيشون حالة من الركود النفسي، ويشعرون بالفراغ وعدم الرضا، وستتعرض صحتهم النفسية للخطر ما لم يتوفر الدعم المناسب.
1. الشعور بالعجز
أظهرت حالة "الاستقالة الكبرى" (Great Resignation) أنَّ ملايين الموظفين حول العالم يرغبون في تغيير مسارهم المهني. وعلى الرغم من أنَّ سوق العمل قد استقر قليلاً، إلا أنَّ عالم الوظائف لا يزال في حالة تغير مستمر، فتشعر بحالة من العجز. إذا بدا لك أنَّ مسارك المهني الحالي راكد، فإنَّ الكوتشينغ المهني يساعدك في تخطي هذه الأزمة.
2. عدم معرفة ما إذا كان المسار المهني المناسب لك
يمكن إجراء التغيير، بصرف النظر عن مدى تقدمك في حياتك المهنية. يتطلب الأمر الشجاعة للاعتراف بأنَّك بحاجة إلى تغيير مسارك، وشجاعة أكبر لاتخاذ الخطوات اللازمة للتغيير.
ستضطر لاتخاذ عدد من القرارات الصعبة، مثل العودة إلى الدراسة أو الاستقالة من الوظيفة الحالية. يستطيع الكوتش المهني أن يُرشدك خلال هذه المرحلة الانتقالية، ويساعدك في النجاح أينما انتهى بك المطاف.
3. الرغبة في تحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة الشخصية وتحسين العافية النفسية
القوى العاملة العالمية على وشك الدخول في أزمة احتراق وظيفي؛ إذ كشفت دراسة أعدَّتها شركة "بيتر آب" (BetterUp)، شملت نحو 175,000 عضواً لتحديد ما يُسهم في الشعور بالرضا والسلامة النفسية، عن أنَّ الرضا الوظيفي هو العامل الأول المسؤول عن ذلك.
وهذه ليست نتيجة مفاجئة، فالبشر يقضون ما يزيد عن ثلث حياتهم في العمل، وعندما يكون الشعور بالفراغ والاحتراق الوظيفي في أعلى مستوياته، يساعد الكوتشينغ المهني في إعادة التوازن والتأمل في المسار المهني.
تقتضي هذه العملية التأكد من أنَّ سيرتك الذاتية تُبرِز نقاط قوتك الحقيقية، وأنَّ بحثك عن فرص العمل يتوافق مع أهدافك المهنية.
4. الرغبة في تعلُّم أشياء جديدة وتحقيق النمو في مسيرتك المهنية
يرغب الموظفون في النمو والتقدم في حياتهم المهنية. لكن لكي تسلك مسارات التعلم، تحتاج إلى فهم كيفية التطور المهني فهماً أفضل. يقدم الكوتشز المهنيون الإرشاد حول تعزيز المهارات والتعامل بفعالية مع سوق العمل.
إذا كنت ترغب في توسيع مداركك وتعلم مهارات جديدة، فهذه إشارة واضحة على أنَّك جاهز للعمل مع كوتش مهني.
الفرق بين الكوتشينغ المهني والاستشارة المهنية
لعلَّك صادفت مصطلح "الاستشارة المهنية" أثناء البحث عن الكوتشينغ المهني، فالكوتشينغ: هو نهج استباقي لبناء المرونة الذهنية، يركز على المستقبل، ويستهدف جوانب متعددة من حياتك المهنية ورؤيتك المستقبلية.
يساعدك الكوتشينغ في تطوير المهارات التي تحتاج إليها لتحقيق التقدم، ويُبنى على علاقة طويلة الأمد تتطور تدريجياً.
أما الاستشارات المهنية، فتشبه الكوتشينغ في بعض الجوانب، فكلاهما يركز على بناء المهارات والقدرات، لكنَّ المستشار يركز على التحسين قصير الأمد، وتحقيق الهدف التالي المباشر، وليس على الصورة الأشمل.
يدرب المستشار المهني على إجراء مقابلات تجريبية أو التفاوض على الراتب، لكنَّه غالباً لا يفكر في مسارك بعد 5 أو 10 سنوات، بينما يساعد الكوتش في النمو الشخصي والمهني على الأمد الطويل، وليس فقط في الوظيفة الحالية.

8 فوائد للكوتشينغ المهني
أجرت شركة "بيتر أب" دراسات موسَّعة حول فوائد الكوتشينغ في بيئة العمل. في ما يلي، أبرز نتائجها:
- تقليل الاحتراق الوظيفي: أبلغ أعضاء الفريق في الشركة عن انخفاض بنسبة 19% في مستويات الاحتراق الوظيفي.
- انخفاض الشعور بالفراغ: شهد الأعضاء انخفاضاً بنسبة 38% في الشعور بالفراغ خلال أول 3 أشهر من الكوتشينغ.
- زيادة الوعي الذاتي والكفاءة الذاتية: أظهرت الدراسات تحسناً في القدرة على التخطيط المستقبلي، والتواصل الاجتماعي، وضبط المشاعر، وانخفاضاً في التوتر.
- تعزيز المرونة النفسية: يساعد الكوتشينغ الفِرَق على التكيف مع التغيرات، ويُظهر أنَّ مرونة القائد تؤثر بعمق في مرونة الفريق.
- تحسين المرونة الذهنية: تحسنت الحالة النفسية لـ 77% من الأشخاص الذين بدأوا الكوتشينغ وهم يشعرون بالفراغ الذهني، وذلك خلال 3 إلى 4 أشهر.
- زيادة الإنتاجية: يقود الموظفون الناجحون فِرَقاً أكثر إنتاجية بنسبة 31%.
- رفع معدل الاحتفاظ بالموظفين: القادة الناجحون أكثر قدرة على الحفاظ على فِرَقهم؛ فالموظفون المباشرون لديهم أقل عرضة للاستقالة بنسبة 78%.
- تحسين التركيز: يساعد الكوتشينغ في التركيز بشكل أفضل، وهو أمر هام لتحقيق الأهداف المهنية.
الفرق بين الكوتشينغ المهني وأنواع الكوتشينغ الأخرى
هناك عديدٌ من أنواع الكوتشينغ، وقد يتشابه الكوتشينغ المهني مع بعضها أو يختلف عنها تماماً. إليك أبرز الأنواع والفروقات بينها:
1. كوتشينغ الحياة (Life Coaching)
يركز على جميع جوانب الحياة مثل: الأسرة والهوايات والعمل، بينما يركز الكوتشينغ المهني على التطور المهني فقط، حتى لو تأثرت حياتك المهنية بعوامل شخصية، فإنَّ الهدف يبقى مهنياً.
2. الكوتشينغ التنفيذي والقيادي
يُعنى الكوتشينغ التنفيذي بتطوير القادة التنفيذيين (C-suite)، بينما الكوتشينغ القيادي متاح لأي قائد في المؤسسة. على الرغم من وجود تداخل، فإنَّ الكوتشينغ المهني لا يُعد دائماً كوتشينغ قيادي أو تنفيذي؛ لأنَّ تقديم الكوتشينغ لموظفين ذي مستوى عال يتطلب خبرة متخصصة.
3. كوتشينغ العلاقات (Relationship Coaching)
يختلف كوتشينغ العلاقات عن الكوتشينغ المهني. وبالطبع، هناك عديد من أنواع العلاقات داخل بيئة العمل مثل: علاقة المدير بالموظف، أو الزميل بزميله، أو حتى علاقة العميل بالزبون، لكنَّ كوتشز العلاقات يركزون غالباً على الروابط الشخصية أكثر من العلاقات المهنية.
قد يكون الكوتش المهني ملمَّاً بكيفية التعامل مع العلاقات المهنية وتعزيزها، لكنَّه لا يركز بالضرورة على الحياة الشخصية.
جلسة الكوتشينغ المهني
إذا كانت هذه تجربتك الأولى مع الكوتشينغ المهني، فمن المفيد أن تعرف الخدمات التي يمكن أن تتلقاها. يمكنك الاستعداد ذهنياً والدخول إلى الجلسة بعقلية مناسبة لتحقيق أقصى استفادة من التجربة.
1. الاستعداد لتقييم مهني
قبل بدء الجلسة الأولى، من المرجح أن تخضع لتقييم يحدد نقاط قوتك وضعفك. يمكن استخدام التقييم الشخصي الكلي (WPA)، وهو تقييم شامل قائم على علم النفس الإيجابي، ويقيِّم القدرات والسلوكات الأساسية.
ما يُميز هذا التقييم عن غيره هو أنَّه يأخذ في الحسبان كامل جوانب شخصيتك، بما في ذلك الراحة والتعاطف الذاتي والنشاط البدني، وهي عناصر تؤثر مباشرةً في أدائك المهني.
2. مناقشة الأهداف القصيرة والطويلة الأمد
يحرص الكوتش المهني على معرفة أهدافك ولماذا تسعى إليها، ولكن لا بأس إن لم تكن قد حددت أهدافك المهنية بعد، أو لم تكن لديك رؤية واضحة لمستقبلك، فهذا بالضبط ما يساعدك فيه الكوتش.
حتى لو كنت لا تدرك طموحاتك، فإنَّ الحديث عن المهارات التي ترغب في تطويرها يمكن أن يكون نقطة انطلاق جيدة، فالهدف هو وضع خطة تدريجية لتحقيق إمكاناتك، وإذا كانت الصورة غير واضحة، فسيساعدك الكوتش في توضيحها.
3. مناقشة التحديات والعقبات الحالية
قد تواجه بعض العقبات في مسيرتك المهنية مثل: عرض تقديمي قادم، أو تقييم أداء، أو الشعور بأنَّك في وظيفة مسدودة الأفق. يعني ذلك أنَّك مستعد لتغيير مهني، أو تشعر بأنَّك في المسار الخطأ دون معرفة كيفية تغييره.
فكر في التحديات التي تواجهها، سواء أكانت كبيرة أم صغيرة، لأنَّك ستناقشها في جلستك الأولى.
كيفية الاستعداد لجلسة الكوتشينغ المهني
إذا كانت لديك جلسة كوتشينغ مهني قادمة، فإليك بعض الاستراتيجيات التي ستجعلها أكثر فعالية:
- التأمل الذاتي: تريَّث قليلاً وفكر في رحلتك المهنية حتى الآن، وذلك لتقييم وضعك الحالي والاستعداد للنقاش.
- تبنِّي عقلية النمو: يتمحور الكوتشينغ حول التغيير، لذا كن مستعداً للخروج من منطقة الراحة؛ لأنَّ التغيير الحقيقي يتطلب مواجهة التحديات.
- الالتزام بالعملية: يتطلب التطور الشخصي والمهني نية واضحة ووعي والتزام بالعمل؛ إذ يقدم الكوتش الدعم والإرشاد، لكنَّك تحتاج إلى التحفيز للاستثمار في نفسك وبناء المهارات اللازمة لتحقيق أقصى إمكاناتك.

أسئلة شائعة
1. كم تبلغ تكلفة الكوتشينغ المهني؟
تختلف التكلفة حسب الحالة، لكن عادة ما تتراوح تكلفة الجلسة الواحدة بين 50 إلى 250 دولاراً أمريكياً في الساعة، وذلك بناءً على عدة عوامل مثل: خبرة الكوتش، ومدة الجلسة، والشهادات المعتمدة.
2. ما الذي يجعل الكوتش المهني ناجحاً؟
تختلف المعايير حسب احتياجات كل فرد، لكن عموماً، يتمتع الكوتش المهني الناجح بالمهارات التالية:
- الإصغاء الفعال.
- مهارات تواصل قوية.
- الالتزام بالنمو والتطوير المستمر.
- امتلاك شهادات معتمدة من مؤسسات مثل: الاتحاد الدولي للكوتشينغ (ICF).
- تقديم إرشاد مهني مخصص لكل حالة.
- القدرة على تحدي المتلقي وتحفيزه على التعلم، والنمو، وتغيير السلوكات.
3. هل يساعد الكوتشينغ المهني في الحصول على وظيفة؟
يستطيع الكوتش المهني مساعدتك في البحث عن وظيفة، لكن من الهام أن تعلم أنَّ الكوتشينغ ليس حلاً سحرياً للحصول على عروض عمل فورية.
يساعد الكوتش في بناء المهارات اللازمة لتحسين عملية البحث عن وظيفة، وكتابة خطاب التقديم، ومراجعة سيرتك الذاتية، والتدريب على مهارات المقابلة الشخصية، كما يدعمك في النمو المهني والشخصي على حد سواء.
في الختام
أصبح الكوتشينغ الافتراضي أداة قوية للانتقال من حالة الركود إلى الازدهار. وفي بيئة العمل الحالية، ساعد الكوتشينغ الرقمي ملايين الأفراد في إطلاق إمكاناتهم الكاملة.
ومع تطور أدوات الكوتشينغ باستمرار، يُعد الكوتشينغ المهني وسيلة ضرورية للتطوير المهني.
أضف تعليقاً